كلمة سواء مع وزارة العمل 2/2
نشرت "الاقتصادية" مقالة بعنوان "همسات لمعالي وزير العمل" في 2/5/2004 ومقالة أخرى، "ثلاث قضايا مع وزير العمل" في 27/11/2004 وسألني بعض الأصدقاء لماذا توقفت عن الكتابة في القضايا العمالية، أم فقدت الأمل! ودائما كان ردي أن نترك لوزير العمل الدكتور غازي القصيبي فرصة للعمل والحركة. ومن يراقب ما نفذته وزارة العمل يرى أن هناك تجاوبا مع بعض مقترحات رجال الأعمال، ولقد أوضح معاليه في لقاء مع مجلس الغرف، "البلاد" 20/12/2004 "أن الوزارة تسعى جاهدة إلى تعزيز مبدأ الشراكة مع قطاع الأعمال وإيجاد قنوات للتواصل والتشاور بين الطرفين على نحو يؤدي إلى نجاح السعودة والقضاء على البطالة ويذلل العقبات التي تعاني منها أطراف العلاقة في سوق العمل". لذلك لم أكن أرى أن هناك حاجة إلى الكتابة خصوصا أنني غير مطلع على جميع منجزات الوزارة ولكن هناك إنجازات لا يمكن تجاهلها إلا من حاقد. ولكن يظهر أن معاليه ضاق ذرعا ببعض الكتاب، ولم يستطع أن يلجم قلمه القادر على الكتابة ويعبر عن استيائه من الناقدين لعمل الوزارة ومنجزاتها. ولن أعيد هنا ما اقترحته سابقا في المقالتين المذكورتين بعاليه، ولكن خلال سنة وجدت أن الوزارة بدأت في إنجاز بعض المقترحات. وليس من العدل ما نسمعه من البعض أن الوزارة ومعاليه قد فشلا في أعمالهم وأن السعودة فشلت بجميع المقاييس. ولقد ذكر معالي وزير العمل في مقالته بعض المنجزات بالأرقام وكلها صحيحة وطمأننا أن التحول في الجامعات من التعليم النظري إلى التعليم المطلوب في سوق العمل يتم بثبات وتخطيط وأن التحول في التعليم الثانوي إلى المواد التدريبية بدأ في مدارس تجريبية وسيعمم، وهذا أيضا إنجاز ولكن نعلم أن هذا لو نجح فإنه سيأخذ سنوات، وعلينا الصبر والانتظار لأنه ليس من السهل تغيير المناهج وتدريب المدرسين وانتظار المبتعثين، إن كان هناك برنامج مكثف لهم.
وكما علينا أن نصبر فعلى معاليه الصبر أيضا على المنتقدين ولو قليلا، فكلما أعلنت الوزارة عن برامجها ومنجزاتها الفعلية اتضحت الصورة للجميع، ولكن كثيرا من أعمال أو برامج الوزارة تحتاج إلى سنوات إلى أن تتم، لذلك علينا الصبر أيضا.
ولكن هناك أمور لا يمكن الصبر عليها وأملنا في معاليه أن يجد لها حلا، لأنه لا يمكن أن نرى المؤسسات والشركات التي يديرها مالكوها تمنعهم الوزارة، وهم كثر، من الاستقدام، مع عدم وجود المواطن البديل المدرب والراغب في العمل، ما هذا إلا تجن واعتداء على مصالحهم لا يسمح به الشرع.
لقد ذكر خادم الحرمين الشريفين "أن هناك نحو 100 ألف عاطل معظمهم يأمل أن يعمل في الحكومة" فهؤلاء ليسوا عاطلين ولا يحتسبون على سوق العمل، ولا شك أن هناك مثل هذا العدد أو ضعفه سيأتي لسوق العمل كل عام ويحتاج إلى التدريب والتأهيل والعمل.
على الوزارة أعمال تفصيلية عديدة وقرارات ربما لا تسر البعض ولكن نسبة 5 في المائة زيادة سنوية أو 35 في المائة نسبة عامة اليوم لجميع القطاعات لا يصر عليها إلا جاهل بسوق العمل وطبيعته. إن سوق العمل اليوم بدأ يفقد من ناحية الأيدي العاملة الوافدة المدربة إلى دول الخليج ومكاتب العمل من ناحية أخرى تمنع الاستقدام والبديل أو نصف البديل الوطني غير موجود فكيف المخرج ولو مؤقتا؟ الحل إعطاء الجادين في العمل التأشيرات المطلوبة مع تعاونهم مع برامج التدريب والتأهيل للعامل الوطني الجاد في العمل. ولو سمح لي معاليكم سأضرب مثلا واحدا فقط لما يتوجب على الوزارة عمله وأنت سيد العارفين:-
يوجد في جدة معهد البصريات للتدريب مدة الدراسة فيه عامان ونصف يتخرج بعدها الطالب فني بصريات. ويتوقع أن يخرج المعهد خمسين مختصا في أول سنة، وزاد عدد الملتحقين فيه إلى 100 وقد يصل عدد المتخرجين فيه سنويا إلى 100 أو 150. ويوجد نحو عشرة إلى 12 ألف وظيفة قائمة اليوم في محلات البصريات الحكومية والخاصة يشغلها كلها أجانب، فهل نمنعهم من الاستقدام. طبعا لا يمكن ذلك إلا بعد تخرج العدد الكافي من السعوديين، ولكن متى سيكون هناك العدد الكافي منهم؟ الآن معهد واحد فقط في المملكة ونحن نحتاج إلى عشرة معاهد مماثلة حتى نتمكن من تغطية العدد المطلوب بعد ثماني سنوات يكون عندئذ حجم السوق ضعف اليوم، فعلى الوزارة تشجيع القطاع الخاص على التوسع في المعاهد المتخصصة وهذا المعهد دليل على رغبة رجال الأعمال في التعاون مع الدولة في توطين الوظائف ولقد وافقت الهيئة الطبية التخصصية ووزارة التعليم العالي للسماح للنساء بالتدريب في المعهد وهذا توجه جيد. حدد راتب المتخرج الفني بأربعة آلاف ريال بما في ذلك بدل السكن والمواصلات وهو راتب جيد أولي لمواطن. ويشترط المعهد أن يقوم المتدرب بدفع مصاريف الفصل الأول وهذا كاف حتى يثبت جديته ثم يقوم المعهد بإيجاد مؤسسة لديها محلات بصريات لتتبنى العدد المطلوب من طلبته وذلك بتوقيع عقد مع صندوق تنمية الموارد البشرية تدفع المؤسسة ربع الراتب ويدفع الصندوق الباقي لمدة سنتين ثم يتحمل الصندوق نصف الراتب 2000 ريال للسنة الأولى من الخدمة وتتحمل الشركة التأمينات الاجتماعية منذ توقيع العقد ويدفع الصندوق أيضا مكافأة للمتدرب. هذا مثل جيد لرغبة المواطن في العمل الجاد والقطاع الخاص في التوظيف والتدريب والصندوق في القيام بدوره وهنا يأتي دور معاليكم والوزارة في إجبار شركات البصريات في تبني هؤلاء الطلبة خلال الدراسة وتوظيفهم عند تخرجهم فإذا رفضوا فالأفضل أن تغلق محلاتهم أو يوقف استقدامهم. كذلك على الوزارة التشديد على الصندوق الذي يوقع عقودا مع الشركات الراغبة في تبني المتدربين، في الالتزام بالعقد بالدفع في الوقت المحدد وتوجد شركات تتأخر دفعاتها مع إكمالها جميع المتطلبات بالخمسة والستة أشهر. فما الذي يمنع الصندوق من الالتزام بالعقد؟ أليس هذا قصورا وعاملا محبطا للشركات المشتركة في برامج السعودة. إن أموال الصندوق هي من رجال الأعمال وهي أمانة لدى الصندوق وليست من أملاك الدولة وحصلت لغرض التدريب. فإذا كانت هناك مشاكل مع وزارة المالية في الصرف فعلى معاليكم التصرف. وماذا لو أقمنا عشرة معاهد لتغطية حاجة سوق البصريات، كيف سيكون الصرف إذا كان متأخرا اليوم وليس لدينا إلا معهد واحد مبتدئ في تخصص واحد. ماذا سيكون الوضع بعد تحديد عشرات المهن المستهدفة ولكل منها عشرة معاهد...مثلا. ومن سيشجع القطاع الخاص في تأسيس هذه المعاهد المتخصصة ومن سيستثمر في معاهد التدريب ويرى من سبقه ينكوي بطول الإجراءات وعدم الالتزام بالدفعات وصعوبة التمويل من البنوك. في رأيي، هذا ما يجب أن تركز عليه الوزارة اليوم.
لقد علمت أن أحد الطلبة السعوديين الذي لم يتخرج بعد, فتح محلا له بعمالة أجنبية وأصبح يبيع بنحو خمسة آلاف ريال في اليوم. أي سيصبح رجل أعمال لا يعتمد إلا على شهادته والفرصة التي أتاحها له هذا المعهد. أليس هذا ما نريد؟ أتمنى أن تركز الوزارة فيما ينفع الاقتصاد وليس منع الاستقدام هو الحل الوحيد دون تمييز ودراسة واقعية. وأقترح أن يسمح لبعض العمال الأجانب حرية نقل الكفالة بعد إتمام السنتين الأوليين من العقد لأي كفيل آخر دون موافقة الكفيل الأول ونستطيع أن نضع الضوابط لذلك حتى لا تضيع الحقوق وذلك فقط لوظائف محددة نرغب في سعودتها ورواتبها تحقق طموح المواطن، وهذا سيساوي بين الموظف السعودي والوافد في حرية الحركة عسى أن يستثمر المواطن في ابن بلده.
إن أي قرارات حكومية تصدر لإلزام القطاع الخاص الجاد بالسعودة دون أخذ الصعوبات الاقتصادية في عين الاعتبار ربما لا تحقق الهدف المنشود من صدورها بل قد تكون سببا في ظهور مشاكل وصعوبات اقتصادية أخرى ليست بالحسبان. وقد بدأنا نشعر ببعضها. لذلك أملنا كبير في معاليكم ومن معكم في الوزارة لاتخاذ الخطوات الجدية في تحقيق استراتيجية الوزارة دون إصابة القطاع والاقتصاد بالشلل.