تهويد المقدسات في الأراضي المحتلة والقانون الدولي

في سياق الأعمال والإجراءات الإسرائيلية الهادفة إلى التوسع وإقامة المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، تصاعد التركيز الإسرائيلي على تهويد منطقتي القدس والخليل وما عليها من مقدسات إسلامية، فالانتهاكات الإسرائيلية لحرمات المقدسات الإسلامية في مدينة القدس تتزايد يوماً بعد يوم والمخططات الإسرائيلية لتهويد القدس تجري على قدم وساق من أجل هدم المسجد الأقصى، وإقامة الهيكل المزعوم مكانه، وفي سبيل تحقيق هذه الغاية تدفع إسرائيل بالمتطرفين اليهود إلى باحات المسجد الأقصى للصلاة فيها والاحتفال بما يسمى عيد المساخر اليهودي، ومنع المسلمين من الوصول إلى المسجد للصلاة فيه، إضافة إلى هدم منازل الفلسطينيين وإجبارهم على الرحيل من منطقة القدس وزرع المستوطنات داخل المدينة القديمة وحولها بهدف تغيير الطابع العربي الإسلامي للمدينة وطمس هويتها القومية والدينية. وكخطوة تمهيدية نحو هدم المسجد الأقصى أقامت إسرائيل كنيساً يهودياً باسم (كنيس الخراب) على أنقاض أحد المساجد القريبة من المسجد الأقصى واحتفلت بافتتاحه يوم الثلاثاء 16/3/2010م تنفيذاً لأكذوبة أطلقها حاخام يهودي في القرن الـ 18 الميلادي بأنه سيكون آخر موعد لإقامة ما يسمى (كنيس الخراب) هو 16/3/2010م على أنقاض المسجد الأقصى، ولأن الظروف الدولية غير مواتيه الآن لهدم المسجد الأقصى فقد قررت إسرائيل إقامة هذا الكنيس في هذه المرحلة على أنقاض مسجد آخر بالقرب من المسجد الأقصى، حيث تكون قبة هذا الكنيس أعلى من قبة الصخرة المشرفة، وقد شهدت منطقة القدس مظاهرات فلسطينية ضخمة احتجاجاً على بناء الكنيس، واجهتها قوات الاحتلال الإسرائيلي بالحديد والنار. ومن ناحية أخرى، أعلنت الحكومة الإسرائيلية أخيرا عزمها على بناء 1600 وحدة سكنية في القدس، إضافة إلى بناء أكثر من 100 وحدة سكنية في الضفة الغربية، وقد أثار هذا الإعلان غضب الولايات المتحدة لأنه جاء بعد موافقة جامعة الدول العربية على الطلب الأمريكي ببدء مفاوضات غير مباشرة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل بوساطة أمريكية، كما أن هذا الإعلان جاء أثناء زيارة نائب الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن لإسرائيل ووصول المبعوث الرئاسي الأمريكي جورج ميتشيل للمنطقة للشروع في إجراء المفاوضات غير المباشرة وقد وصفت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية الإعلان الإسرائيلي بأنه إهانة للولايات المتحدة وللرئيس الأمريكي ونائبه. وبسبب هذا الإعلان تمر العلاقات الإسرائيلية ـ الأمريكية في أزمة نأمل أن تتفاقم حتى تصل إلى مرحلة تكتشف فيها الولايات المتحدة أنه لا مندوحة من معاقبة إسرائيل على وقاحتها وانتهاكها لقواعد القانون الدولي وتحديها للدولة العظمى التي تمدها بأسباب القوة والحياة والبقاء.
أما الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل فقد فرضت إسرائيل إرادتها بتقسيمه إلى جزأين، أحدهما للمصلين المسلمين، والآخر لليهود منذ المجزرة التي ارتكبها أحد المستوطنين عام 1994م وأسفرت عن مقتل 29 مصلياً فلسطينياً في داخله ثم أقدمت إسرائيل أخيرا على خطوة خطيرة ووقحة تستهدف الاستيلاء على كامل الحرم الإبراهيمي، حيث أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أن حكومته قررت إدراج هذا الحرم ومسجد سيدنا بلال بن رباح وقبر راحيل في بيت لحم إلى لائحة التراث الأثري اليهودي. وقد دانت الدول العربية وعديد من دول العالم ومنها روسيا، والصين، ودول الاتحاد الأوروبي هذا القرار.
والواقع أن الدراسات التاريخية وعمليات الحفر والتنقيب الإسرائيلية أثبتت أنه لا يوجد في فلسطين كلها آثار يهودية، وأن كل ما يدعيه الصهاينة مجرد أباطيل وأساطير لا أساس لها من التاريخ، وأن إسرائيل تهدف إلى تزوير التاريخ وطمس الهوية العربية الإسلامية للأراضي المحتلة، وما عليها من مقدسات. وهنا تجدر الإشارة إلى أن بعض وسائل الإعلام تداولت خلال الأسبوع الماضي أن كنيسة أمريكية كبرى هي الكنيسة المعمدانية (بوسبيتريان) اتهمت إسرائيل بالتفرقة، والفصل العنصري، وتزوير التاريخ، ودعت الكنيسة في تقرير لها عن الوضع في الشرق الأوسط، ووزع في الولايات المتحدة تحت عنوان ''تحطيم الجدران'' إلى نزع سلاح إسرائيل النووي لإقرار سلام واستقرار حقيقيين في الشرق الأوسط، وإلى مراجعة سياسة الولايات المتحدة تجاه إسرائيل ومساعداتها لها في حالة رفض الانسحاب إلى خطوط 1967م التي تم الاستيلاء عليها بالقوة وفي مخالفة صريحة لكل القوانين الدولية، لذا يجب على الولايات المتحدة أن تلعب دوراً أساسيا في رفض استمرار هذا الاحتلال''. ودان التقرير سياسة الاستيطان وجدار الفصل العنصري والحصار في غزة والمعاملة الإسرائيلية للشعب الفلسطيني، وكالعادة ردت الجماعات اليهودية الأمريكية ببيان اتهمت فيه الكنيسة بتبني مواقف معادية للسامية واليهود.
ومن نافلة القول أن المقدسات الإسلامية والمسيحية في مدينتي القدس والخليل تعد جزءاً لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967م وتنطبق عليها قواعد القانون الدولي التي تحرم الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة، كما تنطبق عليها جميع قرارات هيئة الأمم المتحدة القاضية ببطلان جميع التصرفات والإجراءات الإسرائيلية الهادفة إلى التوسع وإقامة المستوطنات في الأراضي المحتلة ونقل سكان أجانب إليها وتهجير السكان العرب من أراضيهم وغير ذلك من الممارسات الإسرائيلية التي اعتبرتها قرارات الأمم المتحدة تشكل انتهاكاً للقانون الدولي، كما أنها تشكل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
ونظراً لأن موضوع هذا المقال يتركز حول الاعتداءات الإسرائيلية على المقدسات الدينية في الأراضي المحتلة فإن من المناسب أن أشير إلى قرارين من أهم القرارات التي أصدرها مجلس الأمن الدولي بشأن القدس والمقدسات الدينية وهما:
أولا: قرار مجلس الأمن رقم 476 الصادر بتاريخ 30 حزيران (يونيو) 1980م الخاص بإعلان بطلان الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل لتغيير طابع القدس حيث جاء نصه كالتالي:
(إن مجلس الأمن، وقد نظر في رسالة مندوب باكستان، الرئيس الحالي لمنظمة المؤتمر الإسلامي، المؤرخة في 28 آيار (مايو) 1980م، كما تضمنتها الوثيقة 13966/S المؤرخة في 28 آيار (مايو) 1980م، إذ يؤكد مجدداً أنه لا يجوز الاستيلاء على الأرض بالقوة، وإذ يضع في اعتباره الوضع الخاص بالقدس، خصوصاً ضرورة حماية البعد الروحي والديني الفريد للأماكن المقدسة في المدينة والحفاظ على هذا البعد، وإذ يؤكد من جديد قراراته المتعلقة بمعالم مدينة القدس الشريف ووضعها، خصوصاً قراراته 252 (1968م) المؤرخ في 21 آيار (مايو) 1968م، و267 (1969) المؤرخ في الثالث من تموز (يوليو) 1969، و271 (1969) المؤرخ في 15 أيلول (سبتمبر) 1969م، و298 (1971) المؤرخ في 25 أيلول (سبتمبر) 1971، و465 (1980) المؤرخ في الأول من آذار (مارس) 1980، وإذ يذكر باتفاقية جنيف الرابعة الموقعة في 12 آب (أغسطس) 1949، المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب، وإذ يشجب استمرار إسرائيل في تغيير المعالم المادية والتركيب الجغرافي والهيكل المؤسسي ووضع مدينة القدس الشريف، وإذ يساوره بالغ القلق بشأن الخطوات التشريعية التي بدأها الكنيست الإسرائيلي بهدف تغيير معالم مدينة القدس الشريف ووضعها.
1- يؤكد من جديد الضرورة الملحة لإنهاء الاحتلال المطول للأراضي التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967م، بما في ذلك القدس.
2- يشجب بشدة استمرار إسرائيل، بصفتها القوة المحتلة في رفض التقيد بقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة ذات العلاقة.
3- يؤكد مجدداً أن جميع الإجراءات والأعمال التشريعية والإدارية التي اتخذتها إسرائيل، القوة المحتلة، والرامية إلى تغيير معالم مدينة القدس الشريف ووضعها، ليس لها أي مستند قانوني وتشكل خرقاً فاضحاً لاتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب، كما تشكل عقبة جدية أمام تحقيق سلام شامل وعادل ودائم في الشرق الأوسط.
4- يؤكد أن كل هذه الإجراءات التي غيرت معالم مدينة القدس الشريف ووضعها الجغرافي والسكاني والتاريخي هي إجراءات باطلة أصلا، ويجب إلغاؤها وفقاً لقرارات مجلس الأمن ذات العلاقة.
5- يدعو بإلحاح إسرائيل، القوة المحتلة، إلى التقيد بهذا القرار وقرارات مجلس الأمن السابقة، وإلى التوقف عن متابعة السياسة والإجراءات التي تمس معالم مدينة القدس الشريف ووضعها.
6- يؤكد مرة أخرى تصميمه، في حال عدم تقيد إسرائيل بهذا القرار، على دراسة السبل والوسائل العملية وفقاً للأحكام ذات العلاقة الواردة في ميثاق الأمم المتحدة لضمان التنفيذ الكامل لهذا القرار).
ثانياً: قرار مجلس الأمن رقم 478 الصادر بتاريخ 20 آب (أغسطس) 1980م بخصوص عدم الاعتراف بالقانون الأساسي الإسرائيلي بشأن القدس ودعوة الدول إلى سحب بعثاتها الدبلوماسية منها، حيث جاء نصه كالتالي:
(إن مجلس الأمن، إذ يذكر في قراره 476 (1980) المؤرخ في 30 حزيران (يونيو) 1980م. وإذ يؤكد مجدداً أنه لا يجوز الاستيلاء على الأرض بالقوة، وإذ يساوره القلق العميق بشأن المصادقة على (قانون أساسي) في الكنيست الإسرائيلي يعلن إجراء تغيير في معالم مدينة القدس الشريف ووضعها، مع ما له من مضاعفات على السلام والأمن, وإذ يشير إلى أن إسرائيل لم تتقيد بقرار مجلس الأمن 476 (1980)، وإذ يؤكد مجدداً تصميمه على دراسة السبل والوسائل العملية وفقاً للأحكام ذات العلاقة الواردة في ميثاق الأمم المتحدة ـ، لضمان التنفيذ الكامل لقراره 476 (1980)، في حال عدم تقيد إسرائيل.
1- يلوم أشد اللوم مصادقة إسرائيل على (القانون الأساسي) بشأن القدس، ورفضها التقيد بقرارات مجلس الأمن ذات العلاقة.
2- يؤكد أن مصادقة إسرائيل على (القانون الأساسي) تشكل انتهاكاً للقانون الدولي، ولا تؤثر في استمرار انطباق اتفاقية جنيف الرابعة الموقعة في 12 آب (أغسطس) 1949 والمتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب على الأراضي الفلسطينية وغيرها من الأراضي العربية التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967م، بما في ذلك القدس.
3- يقرر أن جميع الإجراءات والأعمال التشريعية والإدارية التي اتخذتها إسرائيل، القوة المحتلة، والتي غيرت معالم مدينة القدس الشريف ووضعها واستهدفت تغييرها، خصوصا (القانون الأساسي) الأخير بشأن القدس، هي إجراءات باطلة أصلا ويجب إلغاؤها.
4- يؤكد أيضا أن هذا العمل يشكل عقبة جدية أمام تحقيق سلام شامل وعادل ودائم في الشرق الأوسط.
5- يقرر عدم الاعتراف بـ (القانون الأساسي) وغيره من أعمال إسرائيل التي تستهدف نتيجة لهذا القرار، تغيير معالم القدس ووضعها، ويدعو جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى:
أ‌- قبول هذا القرار.
ب‌- دعوة الدول التي أقامت بعثات دبلوماسية في القدس إلى سحب هذه البعثات من المدينة المقدسة.
6- يطلب إلى الأمين العام تقديم تقرير إلى مجلس الأمن عن تنفيذ هذا القرار قبل 15 تشرين الثاني (نوفمبر) 1980م.
7- يقرر متابعة هذا الوضع الخطر.
ولعل من المناسب أن نذكر قبل الختام بالمبادئ القانونية بشأن حماية دور العبادة التي أرستها محكمة نورمبرج التي أقامها الحلفاء لمحاكمة قادة ألمانيا النازية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، حيث اعتبرت المحكمة تعرض سلطات الاحتلال الألماني لأماكن العبادة في الأراضي التي احتلتها القوات الألمانية سواء بالتدمير أو السلب أو النهب أو الإغلاق جرائم دولية، ولذلك فإن على الدول العربية أن تعيد إلى أذهان العالم خصوصاً المجتمعات الأمريكية والأوروبية مبادئ محكمة نورمبرج، وضرورة تطبيقها على إسرائيل وقادتها الذين طغوا في فلسطين وأكثروا فيها الإجرام والفساد. آن الأوان أن يتحرك المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة نحو وضع حد للغطرسة والعربدة الإسرائيلية وإخضاع إسرائيل للقانون الدولي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي