خدمة المجتمع .. آفاق رحبة
في لقاء استضافه «نادي الاقتصادية الصحفي» يوم السبت الموافق 6/3/1431هـ حول دور البنوك السعودية في خدمة المجتمع كان هناك شبه إجماع على أن ثقافة المسؤولية الاجتماعية في المملكة والدول العربية بشكل عام تكاد تكون غائبة، وذلك ما قد يفسر تواضع ما تقدمه الشركات في هذا الجانب, سواء كانت شركات مالية، صناعية، تجارية، أو غيرها. بالطبع لا تخلو الساحة من نماذج مشرقة كبرامج عبد اللطيف جميل لخدمة المجتمع التي بادرت إلى تبني أسلوب العمل المؤسسي في بناء شراكة مستدامة بينها وبين بيئتها. شارك في ذلك اللقاء عدد من كتاب «الاقتصادية» وممثلي المصارف الذين قدموا عرضاً وافياً عن مساهماتها في دعم قائمة طويلة من البرامج التي تحقق منافع لأفراد المجتمع, ليس فقط في هيئة مساعدات مالية مباشرة بل أيضاً عبر المشاركة في تطوير إدارة تلك البرامج، تدريب منسوبيها، وتسويق منتجاتها.
إضافة إلى تلك المعلومات التي عرضها ممثلو البنوك فقد حرصوا على أن يغرسوا في أذهان الحضور أمرين, أولهما أن البنوك ليست جمعيات خيرية، إذ إنها مسؤولة أمام ملاكها عن المحافظة على استثماراتهم, وثانيهما أن عطاء البنوك السعودية يعد مميزاً مقارنة بالقطاعات الأخرى المعنية بخدمة المجتمع. غير أن معظم الحاضرين من أصحاب القلم لم يروا في ذلك الطرح مبرراً كافياً في عدم مطالبة البنوك بمراجعة برامجها وخطط عملها وحجم إنفاقها في مجال المسؤولية الاجتماعية بشكل يتناسب مع مواردها وإمكاناتها المالية. ومن حسن الحظ أن النقاش في اللقاء كان منضبطاً، رغم سخونة الموضوع, ما أتاح طرح مقترحات حول جوانب جديدة في خدمة المجتمع يمكن للبنوك تبنيها وفي الوقت نفسه جني بعض الفوائد منها لها ولمساهميها.
من بين تلك المقترحات التي طُرحت تقديم برامج مكثفة وذكية لتوعية أفراد المجتمع عبر وسائل الإعلام بكيفية التعامل مع القطاع المصرفي وأسواق المال، واستخدام التقنيات الحديثة المتاحة في ذلك المجال. والهدف من وراء تلك البرامج هو رفع كفاية أداء القطاع وتقليص المنازعات والشكاوى بين البنوك وعملائها بسبب عدم إدراك العميل حقوقه وواجباته، وذلك الهدف، إن تحقق، سيعود بالفائدة على جميع الأطراف. أما الهدف الآخر من تلك البرامج، وربما يعد الأهم، هو نشر ثقافة التوفير والادخار بين المواطنين بدلاً من الممارسات الخاطئة في إدارة أمورهم المالية التي ورطت السواد الأعظم منهم في ديون استهلاكية بلغت حداً يصعب احتواؤه, وأصبحت تشكل خطراً على بنية المجتمع ككل. وأحسب أن وزارة الثقافة والإعلام سترحب باحتضان تلك المبادرة سواء في قناة «الإخبارية» أو «الاقتصادية»، كما أنني أرى أسباباً عدة تدعو إلى التفاؤل بنجاحها لما هناك من ملايين المواطنين الذين أصبحت المصارف والسوق المالية جزءاً من حياتهم اليومية.
مثال آخر للمسؤولية الاجتماعية, وإنما على نطاق أوسع، ما قامت به شركة اللجين السعودية بالتعاون مع شركات أخرى بتمويل إنتاج فيلم وثائقي باللغة الإنجليزية عن شعب المملكة العربية السعودية وأرضها والحضارات التي نشأت عليها منذ القرون التي سبقت بزوغ فجر الإسلام، وما تلاها من انتشار الرسالة الخالدة وما قدمه المسلمون للحضارة الإنسانية. وقد تميز الفيلم عن الأفلام الوثائقية الأخرى بابتعاده عن أسلوب السرد التقليدي واعتماده بشكل أساس على مضمون الصورة التي أنتجت بتقنية ثلاثية الأبعاد, ما أضفى عليها عنصراً مؤثراً يبقى في ذاكرة المشاهد سنوات طويلة. وقد ظهرت براعة التعبير الفوتوغرافي جلية في الجزء الخاص من الفيلم الذي تناول تأسيس المملكة وتوحيد أطرافها المترامية على يد الملك عبد العزيز (رحمه الله)، رحلة المسلمين إلى بيت الله الحرام ومسجد رسوله -عليه الصلاة والسلام، ما هيأته الحكومة لهم من وسائل راحة وأمان، والنهضة التي تشهدها المملكة اليوم بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، أمد الله في عمره.
ومن بين الأسباب التي تدعو إلى الإشادة بذلك النموذج من خدمة المجتمع أن الانطباعات التي أبداها معظم من شاهدوا الفيلم في كل من مدينة سان فرانسيسكو وبوسطن الأمريكتين, اللتين أطلقت فيهما عروضه الأولى، كانت جيدة إلى حد كبير. وقد نوهت قناة Bloomberg الفضائية في الأسبوع الماضي ضمن برنامج خاص عن الفيلم أنه سيعرض في عدد كبير من دور السينما حول العالم التي تستخدم تقنية العرض الثلاثي الأبعاد.
إن ذلك الاستخدام للتقنيات الإعلامية الحديثة، كأداة من أدوات المسؤولية الاجتماعية، في التواصل مع المجتمعات والحضارات الأخرى سيحقق منافع كثيرة، بإذن الله، ليس للفرد السعودي فحسب, بل لكل مسلم في هذه المعمورة عندما يشاهد الآخرون عمق حضارتنا وعالميتها.