دعم الشركات المتعثرة بدون شفافية
الشفافية في معايير أي سياسة حكومية أداة لازمة للنهوض بالأعباء الحكومية بشكل يتناسب مع مهام الوظيفة العامة. ولا شك أن الشفافية مهمة أيضا في نجاح المنظومة الاقتصادية في أي بلد؛ وتظهر أهميتها في تصاعد وتيرة التركيز عليها في المحافل الدولية سوء في المؤسسات الدولية أو تحت إطار الاتفاقيات الدولية أو عبر شبكات المؤسسات والجمعيات غير الحكومية. وتؤخذ الشفافية كمعيار مهم في الاستثمار في أي بلد، وهذا معلوم بداهة، فلا يمكن أن ترمي بأموالك في بلد خاضع للمفاجآت، لا تعرف فيه حقوقك والتزاماتك بشكل واضح.
والشفافية ليست في نشر الأنظمة فقط، بل تتعداها إلى كل ما يتماس مع الحياة العامة، بما في ذلك الحياة الاقتصادية، كأسعار الضرائب أو الفوائد على القروض، أو حتى طرق تقديم القروض والإعانات والدعم الحكومي. لهذا، جاء الإعلان عن منح إحدى الشركات المساهمة السعودية قرضا بقيمة خمسة مليارات عن طريق وكالة أجنبية دون نفي أو تأكيد من قبل الجهات المعنية - مثل هيئة السوق المالية تنفيذا لقواعد التسجيل والإدراج، والالتزامات المستمرة والتغيرات الجوهرية - أمراً يعتريه الضباب ويؤرق المتابع للمناخ الاقتصادي في المملكة.
لا شك أن دور الحكومات أساسي في دعم الاقتصاد، ويختلف من دولة لأخرى وفقا لسياسات اقتصادية تكون هي الإطار العام الموجه لسياسة الدعم الحكومي، والذي يستهدف رفع المعيشة لعموم المواطنين بشكل حصري. والموضوع هنا ليس دعوة لمنع أو تضييق أشكال الدعم الحكومي ولكن الإشكال يكمن في الوضوح في ذلك الدعم أولا، وثانيا، في تحديد الأولويات التي يفترض أنها نبعت من استراتيجية تحيط بسياسة الدعم الحكومي. وهاتان النقطتان ركيزتان أساسيتان في خلق أجواء اقتصادية صحية.
فمن ناحية أولى، الشفافية غائبة. فلا الجهات الحكومية أعلنت إلى اليوم حقيقة الموقف، مع أن الخطوة بحد ذاتها - انتشال شركة متعثرة - هي خطوة غير مسبوقة من قبل وتستحق من الجهات المعنية إفصاحا يبين الأسباب والمعايير والنتائج المرجوة من جراء ذلك الدعم. ومن جهة أخرى، الشركة المعنية لم تبادر إلى الإعلان للمساهمين فيها وتخطرها بما يحدث؛ بل التزمت الصمت في موقف مستغرب ولا سيما أن الالتزامات النظامية - نظام وقواعد السوق المالية تحديدا - تشير إلى ضرورة الإفصاح بشكل مستمر عن أي حدث جوهري. ربما أن الشركة لا ترى جوهرية الاقتراض بمبلغ يتجاوز نصف رأسمالها.
من ناحية أخرى، الأولويات الحكومية غير واضحة في توفير الدعم والقروض الحكومية للقطاع الخاص. فعلى أي أساس تم تقديم القرض؟ هل لأن قطاعا بحد ذاته مستهدف لدور محوري في الاقتصاد السعودي؟ هل المستهدف شريحة ذوي الدخول المحدودة؟ هل المستهدف صناعة تنوي الحكومة تعضيدها؟ من يلي ذلك القطاع، هل القطاع السياحي، الصحي، الطبي...، أم هي محصورة في قطاع محدد؟ كم المبالغ المخصصة لتقديم هذا الدعم؟ عدم وضوح في الأولويات يجعل الباب مفتوحا للتخمينات المضطربة التي ستلوك كيفما أتفق بشكل قد يسيء للهدف الأسمى من تدخل الحكومة. باختصار، لا يبدو أن هناك استراتيجية معلنة تخص هذا الإجراء غير المعهود توضح للقطاع الخاص المغزى والمعايير المحيطة بهذا التداخل الحكومي مما قد يكون له أثر معاكس.
وأخيرا، هل تقديم القروض للشركات المتعثرة هو العلاج الأنجح؟ قد يكون علاجا ولكنه علاج منقوص أو يوجد ما هو أفضل منه. أترككم مع كلمتين، الأولى من موظف حكومي والآخرى من أحد رجالات القطاع الخاص يدوران في فلك الدعم والتدخل الحكومي. يقترح الدكتور توفيق الربيعة مدير عام هيئة المدن الصناعية ومناطق التقنية حزمة من الحوافز للاستثمار المحلي في المناطق الصناعية، ويسرد مجموعة من الأمثلة التي يراها الأجدى، مثل، دعم توظيف السعوديين وذلك بدفع 75 في المائة من مرتباتهم لمدة خمس سنوات، وتوفير قروض من الصندوق الصناعي تصل إلى 75 في المائة من إجمالي التمويل، وتحمل الدولة 25 في المائة من تكلفة الكهرباء. ودعم بناء المصانع الجاهزة للاستخدام وذلك في المناطق الأقل نموا. هذه شهادة حكومي من قلب الحدث الاقتصادي.
الكلمة الأخرى للمهندس حسين أبو داود، رجل الأعمال المعروف، يقول في مقالة قيمة في هذه الصحيفة (عدد 5984) «إن دعم قطاع السياحة وقطاع الخدمات وقطاع الصناعة بمبالغ استثمارية لا علاقة لها بالميزانية العامة للدولة لهو أمر ضروري لتنمية هذه القطاعات.. وكذلك المؤسسات الصغيرة المملوكة للأفراد بتقديم الدعم المادي لها من قروض واستشارات وغيرها ودعم الدولة الصناعة في المناطق الأقل نموا».
إن أردنا تنمية مستدامة فلتكن الشفافية عنواناً لها. ولنتلمس احتياجات المستثمر الوطني الذي يضيف قيماً اقتصادية ذات شأن يستحق استقطاع أموال من الخزانة العامة. بدون شفافية، وبدون أولويات ستكون الغلبة للظلام.