من يحل لغز «التسول»؟

في السنوات الأخيرة أصبحت ظاهرة التسول في الأماكن العامة مقلقة، والغريب أن الأجهزة الحكومية المعنية لم تتعامل مع هذه الظاهرة التي نعتقد أن لها من الأضرار الكبيرة ما يستدعي التدخل الحكومي القوي، ليس فقط لإيقافها، بل لتقصي أبعادها ودراستها ومعرفة هل تحولت إلى (صناعة منظمة) لها آلياتها ولها قادتها ولها المستثمرون فيها سواء من عصابات المخدرات أو جماعات الإرهاب، أو أي شكل من أشكال الجريمة المنظمة؟
المؤشرات التي نراها على أرض الواقع أمامنا كل يوم تدعم الاعتقاد أننا إزاء عمل منظم يتجاوز الاحتياجات والفقر، العاملون بالتسول الآن أغلبهم غير سعوديين وربما يتركزون في جنسية أو جنسيتين، وبعضهم أصبح شخصيات معروفة بهيئتها وأصواتها ومسلسل الآلام والأوجاع التي حفظوها.. وحتى الأطفال الرضع أصبحوا وجوها مألوفة عند المساجد وهذا هو المؤسف والخطير الذي يعطي رسالة سيئة عن بلادنا.. فاستخدام الأطفال بهذا الشكل المكثف لأغراض التسول مناف للحقوق الإنسانية لهؤلاء الأطفال، فاستخدامهم لأغراض التكسب يرفضه ديننا وتمنعه المواثيق والأعراف الدولية.. فكيف نسمح لمحترفي هذه الصناعة بأن يمارسوا هذه الانتهاكات لحقوق الأطفال، ألا نخشى أن يضعنا هؤلاء في مأزق إنساني وأخلاقي إذا لم نتداركه؟!
لدينا في المملكة أكثر من 450 جمعية خيرية توجد في كل المناطق، في المدن الكبرى والصغرى وفي الأرياف، ودورها يقوم على تقصي حاجات الناس ومساعدتهم، وربطهم بمؤسسات الدولة وبالمحسنين. وفي السنوات الأخيرة تطور عمل هذه الجمعيات، بحيث أصبحت تبادر إلى البحث والتقصي عن أصحاب الحاجات المتعففين الذين يخجلون من السؤال.
إن الأوضاع التي نراها الآن محيرة وغامضة ومخجلة وتجعلنا نسأل عن مدى كفاءة الأجهزة الحكومية ومدى قدرتها على الملاحظة والدراسة والعمل.. كيف نسمح لهذه الظاهرة بأن تتحول إلى صناعة منظمة ونحن نواجه مخاطر رئيسية على أمننا واستقرارنا، هل زالت القناعات أننا مجتمع مستهدف من عصابات الإجرام والمخدرات والإرهاب .. ألم نتساءل أين تذهب هذه الأموال التي نغدقها على المتسولين في مساجدنا؟
ألا يوجد أحد فينا يغار على سمعة بلادنا؟!
ماذا يقول الزوار الذين يرون الأطفال والنساء عند إشارات المرور يتسولون من شروق الشمس إلى منتصف الليل؟!
منذ سبع سنوات وفي أحد الشوارع القريبة من مقر الجريدة التي تخلو من المارة كانت هناك سيدتان ترابطان في إحدى الزوايا لأكثر من عشر ساعات يوميا ترفعان أيديهما لسؤال السيارات العابرة المسرعة. بعد هذا الدوام المنظم الصارم وحيث لا أحد يقف ليتصدق ليجعل من هذا المكان مطمعا ومبررا.. هل نحن إزاء ظاهرة تسول عادية؟
إننا إزاء وضع غامض ومحيّر وخطير على أمننا وسمعتنا!!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي