دعم الشركات المتعثرة
بعد خبر تقديم وزارة المالية قرضا بخمسة مليارات لشركة إعمار المدينة الاقتصادية المنشور في وكالة رويترز العالمية في كانون الثاني (يناير) مطلع هذا العام، احتفى القطاع الخاص بهذا التوجه الفريد بشكل غير مسبوق. بريدي الإلكتروني لم يتوقف في تساؤلات عديدة عن الإجراءات الواجب تقديمها للحصول على قرض «التعثر», وهذا ما يشير إلى وجود طابور لا بأس بطوله من الطامحين للحصول على قروض حكومية لإنقاذ أعمالهم التجارية من السقوط.
إن الدعم الحكومي نهج تبناه عديد من الحكومات العالمية التي هبت لإنقاذ قطاعها المصرفي في خضم الأزمة العالمية الحالية، وهي المبادرات التي حفزتنا ـ فيما يبدو- على مماثلة الحكومات العالمية وإن كان هناك فارق جوهري يتمثل في القطاع المستهدف, ففي كل أصقاع العالم كان الاهتمام منصبا على القطاع المصرفي بشكل رئيس وقطاع النقل في أمريكا تحديدا، بينما ارتأينا اختيار القطاع العقاري لانتشاله من براثن الإفلاس. وهو أمر لا يتسق مع الأعراف المالية لدينا التي دأبت على نهج محافظ يتمثل في اتباع ما تواتر عليه العرف العالمي.
ومعلوم أن موضوع دعم الشركات المتعثرة موضوع متكهرب، بين مؤيد ومعارض، فالمؤيدون للدعم يراهنون على أهمية دور الحكومة في لعب دور أساسي في خضم المطبات الهوائية غير المتوقعة، خاصة في القطاعات الاقتصادية التي تقرر الحكومة أهميتها الاستراتيجية، فمثلا، قطاع النقل تعده الحكومة الأمريكية عصبا رئيسا للاقتصاد ولا يمكن أن تجعله عرضة للسقوط, لأنه أكبر من أن يسقط، أو بمعنى أدق سقوطه يؤدي إلى نتائج أقسى من مجرد إفلاس ملاكه، وهذا الاحتجاج من الركائز التي ارتكزت عليها الحكومة الأمريكية في تقديمها قروضا منخفضة التكلفة لشركات صناعة السيارات أخيرا. والمعارضون- لدعم قطاع النقل في أمريكا - احتجوا بأن الدعم لا يكون إلا عبر تصحيح الظروف والأنظمة التي أسهمت في الاختلال الذي أدى إلى السقوط، وأن إنقاذ الشركات السيئة إداريا وغير المنضبطة مهنيا، يجعل تقديم أي دعم حكومي إشارة مضللة تقول للشركات إن ضعف الإدارة ـ أو سوئها- مأمون العواقب، مدفوع التكاليف من قبل الخزانة العامة، التي يفترض أن تكون منفعتها للمصلحة العامة لجميع المواطنين، وإن كان لا بد - كما يقول توماس فريدمان - فليكن الدعم للشركات الناشئة حديثا التي تقود دفة ملفات اقتصادية مبتكرة. البعض في الوسط، يقول إن دعم الحكومة هو أفضل الحلول السيئة.
عموما الدعم الحكومي موضوع شائك, فهو في نهاية المطاف إعانة مقتطعة من خزانة الدولة. وهذه الإعانة يتم استقطاعها من الدخل العام لمسبب وجيه. لهذا يجب التفكير مليا قبل تقديم أي دعم، لأن دعم الدولة - أيا كانت الأسباب - له نتائج مفصلية على المديين القريب والبعيد. وهذا، ليس على المستوى المالي فقط، بل أثره في البيئة الاقتصادية يتعدى مجرد فك أزمة هنا، وجبر عثرة هناك. خطورته تكمن في الاتكالية التي سيغرسها في ذهنية الجميع، وهو ما سيخلق بيئة استثمارية مليئة بالمخاطر التي قد تكون غير محسوبة تؤثر في رتم الأنشطة الاقتصادية الكلاسيكية. لقد عانت الدول الشيوعية وتجرعت العلقم من سياسة الدعم وتدخل الدولة في مناشط الحياة الاقتصادية ما أدى في نهاية المطاف إلى انهيارها بشكل صارخ, لكن هناك من يؤيد وهناك حكومات لا تزال مقتنعة بفكرة الدعم.
ختاما، إن اخترنا طريق الدعم الحكومي فيجب أن يكون محكوما بضوابط وتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الذي أكد في أكثر من مناسبة - حفظه الله ورعاه - على العدل، وهذا ما يحتم الإعلان عن طريقة وآليات وإجراءات منح القروض للشركات المتعثرة. معلوم أن البنوك السعودية تمر بأزمة، كما يدل على ذلك إعلاناتها أخيرا، كما أن هناك شركات أخرى مترنحة تتهاوى بين ظلمة الديون ودهاليز الركود، ولا يوجد موجب جوهري لاستثناء الشركات الخاصة غير المتداولة في سوق الأسهم من خيرات الدعم الحكومي. عدلا، الكل في ميزان واحد.