تعزيز التعاون الدولي يعد وسيلة لمكافحة الفساد

يعد التعاون الدولي أمرا مهما لمكافحة الفساد, ولا سيما الفساد العابر للحدود, مثل: غسيل الأموال, وتمويل الإرهاب, وتزييف العملة, والغش في البضائع, وتأتي أهمية التضافر الدولي لأن الفساد ينتشر بسرعة عبر الحدود, ولم يسلم منه مجتمع من المجتمعات, بحيث أصبح ظاهرة متغلغلة في ثنايا الأعمال والممارسات التجارية والاقتصادية في أنحاء العالم كافة.
ولا تستطيع الدول مكافحة الفساد بجهود وأساليب ذاتية, بل ينبغي تعضيد التعاون والتكاتف بينها لمحاربته, من خلال الاتفاقيات الجماعية والثنائية, وتبادل المعلومات وتعزيز أساليب مراقبة الحدود والمعابر, وتشديد الإجراءات على مراقبة انتقال وتحويل الأموال, ولا بد من توفير التكامل بين جهود الدول كافة, وإيجاد الأطر المحلية والدولية لضمان ذلك, والبحث باستمرار عن السبل الأكثر فاعلية للتصدي لهذه الظاهرة.
كما أنه يجب البحث عن آليات فاعلة لتحفيز الدول وتشجيعها على استنباط قدراتها بحيث يشمل ذلك إشراك أصحاب المصلحة من الجهات الحكومية وغير الحكومية, لتعزيز الشفافية عن طريق نشر التقارير على الرأي العام لتحفيزه على الإسهام في دعم قدرات الدولة في هذا المجال.
إن العولمة وتطور وسائل الاتصال أديا إلى زيادة آثار الفساد وتأثيراته السلبية في المجتمعات, وإن فساد الأفراد يؤدي إلى انهيار المؤسسات, وانهيار المؤسسات يؤدي إلى تداعي النظام المالي مثلما حدث أثناء الأزمة الاقتصادية العالمية, التي حصلت في الآونة الأخيرة في الاقتصاد الغربي.
ومما يدخل في مفهوم الفساد الواسع ما يجري من تزوير في الانتخابات في بعض الدول بهدف إيصال غير الأكفاء إلى سدة الحكم, وهو ما يهدم أسس الديمقراطية, ويقوض الجهود التي تبذل في سبيل حقوق الإنسان, كما أنه يؤدي إلى وصول عناصر فاسدة إلى مناصب اتخاذ القرار.
وغني عن القول إن انتشار الفساد يعني انتشار الظلم, وسلب حقوق الإنسان وتقويض العدالة في المجتمعات, كما يؤدي إلى زيادة الفقر, حيث إن الأموال العامة التي تنهب نتيجة الفساد تضعف وتقلل ما يخصص لرفاهية الشعوب, وإقامة المرافق والخدمات.
وهناك دعوة مشتركة متفق عليها بين الدول بأن على الدول التي تنشد محاربة الفساد تعزيز دور الأجهزة المعنية بمكافحته, ولا بد من إنشاء وتخصيص هيئة مستقلة عن السلطة التنفيذية يكون من واجباتها تنسيق الجهود وتكاملها بين الأجهزة والسلطات كافة التي يكون من مهماتها مكافحة الفساد لتعزيز التعاون والتنسيق بين الجهود, ويجب منح تلك الهيئة ما تحتاج إليه من الموارد المالية والبشرية والدعم السياسي, كما يجب أول ما يجب توفير الإرادة السياسية لدعم المؤسسات الحكومية ومساعدتها على تطبيق أجندة محاربة الفساد, وسيكون من مهام تلك الهيئة تمثيل الدولة التي أنشأتها, دوليا, في مجال المؤتمرات والندوات والجهود التي تبذلها الدول, كما سيكون ذلك مجالا لاستفادتها مما يجري على مستوى الدول الناشطة في مجال محاربة الفساد, والإفادة من تجاربها وأنظمتها في هذا المجال, فضلا عن تعزيز سمعة الدولة في مجال الشفافية وحماية حقوق الإنسان لدى المنظمات والهيئات الدولية العاملة في هذه المجالات, وهو ما يؤدي إلى بناء سجل نظيف معزز بالممارسات الجيدة لدى تلك المنظمات.
ولا بد أن يكون لوسائل الإعلام دور واضح في مجال محاربة الفساد عن طريق تشجيعها ودفعها إلى كشفه, ونشر ما يصل إليها من معلومات صحيحة عنه, وتقديم هذه المعلومات إلى الجهة أو الهيئة المعنية بالجهود التي تبذل لمحاربة الفساد, ويدخل في ذلك تشجيع الرأي العام على التعاون مع وسائل الإعلام وإمدادها بالمعلومات التي تتوافر عن قضايا الفساد لنشرها, وتوفير البيئة المناسبة لتكون رأيا عاما يحوز ثقافة الشفافية والنزاهة, عن طريق إدخال مبادئ حول ذلك في المناهج الدراسية التي تمثل أول خطوة في مجال التعريف بالفساد, وزرع مبادئ ثقافة النزاهة وأخلاقيات التعامل وصون الممتلكات العامة في نفوس الشباب.
إن وجود رأي عام مستنير داخل أي مجتمع يحمي ذلك المجتمع من مخاطر انتشار الفساد ويحد من سريان الشائعات حوله, والحيلولة دون تضخمها ومساعدة الأجهزة المسؤولة في التصدي لما ينشر ويشاع وتمحيصه وتحقيقه, وإمداد السلطات الرسمية بالمعلومات الصحيحة عنه, ومساعدتها على الوصول إلى الفاعلين وتقديمهم للعدالة, ومما يدخل في هذا المفهوم إفساح المجال لقيام جمعيات ومؤسسات المجتمع المدني التي يكون من مهماتها تنظيم الأنشطة واستقطاب النخب المشهود لها بالنزاهة ليكونوا أعضاء فاعلين فيها.
ولا بد لأي دولة تنشد تعزيز مكانتها في مجال الشفافية والنزاهة, من إفساح المجال للتعبير والمشاركة بالرأي في القضايا العامة والاهتمام بما ينشر وتشجيع نشر المعلومات والتقارير المتصلة بأداء الجهاز الحكومي بما في ذلك الاهتمام بما ينشر في الشبكة العنكبوتية «الإنترنت», التي غدت مصدرا مهما للتعبير على المستوى الدولي, رغم أن بعض ما ينشر فيها يتم تحت أسماء مستعارة وأحيانا من دون أسماء, إلا أنها تعد وسيلة مهمة لاستشراف ملامح الرأي العام, وما يجري داخل المجتمع في أي بلد.
وأخيرا لا بد لترسيخ مفهوم حماية النزاهة, وتعزيز مبادئ الوطنية الحقة في المجتمع, من الحرص على استتباب العدالة وتحقيق المساواة في ملاحقة الفاسدين, دون استثناء, وتقديمهم لمحاكمة عادلة ونشر ما يصدر من أحكام وتنفيذها, لأن من شأن ذلك أن يزيل أي مفاهيم خاطئة عن وجود الانتقائية أو الاستثناءات في الملاحقة, ومن شأنه أن يدفع المواطنين لأن يكونوا أعوانا وعيونا للسلطات الحكومية المعنية بمكافحة الفساد, في التنبيه إلى مواطنه ومرتكبيه, ومدها بالمعلومات التي تساعدها على أداء مهامها. والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي