الفساد السبب الرئيسي لانهيار اقتصاد الغرب!..
لم يشهد عصر من العصور مثل ما يشهده عصرنا الحالي من تفشي الفساد بشتى أنواعه، وتغلغله في كيانات الدول، وتهديده مبادئ العدالة والمساواة في المجتمعات كافة، ولم يعد الفساد قاصرا على مجتمع دون غيره، أو دولة دون أخرى، خلافا للاعتقاد السائد في الماضي، من أن الفساد ينتشر في الدول النامية والفقيرة أكثر من غيرها، بل أصبح الفساد يتوطن أكبر الدول وأكثرها تقدما، وبحكم نفوذ هذه الدول وعلاقاتها وتدخلاتها في شؤون الدول الأخرى، عملت على تصدير ما يسمى بالفساد العابر للقارات.
ومن حيث مواطن الفساد، فإنه لم يعد قاصرا على الممارسات في الجهاز الحكومي من قبل الموظفين العموميين، التي تتمثل في استغلال النفوذ والرشوة والاستيلاء على المال العام، كما كان يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن الفساد، بل إن الفساد المتمثل في الغش في الممارسات التجارية، والمنتجات الصناعية والزراعية، والتشييد والبناء والتوريدات، لم يعد يقف عند حدود.
أكبر عمليات الفساد حدثت في الغرب
إن أكبر عمليات الفساد في التاريخ هي الانهيار الاقتصادي الذي حدث في عام 2008، وبدأ في الولايات المتحدة الأمريكية، واجتاحت آثاره العالم، بحيث لم تسلم من آثاره أي دولة، بل أي إنسان على وجه الأرض، وفضلا عن الانهيارات بالكامل التي أصابت شركات وبنوكا ومؤسسات عملاقة أعلنت إفلاسها وزالت كياناتها من على الخريطة الاقتصادية، فهناك دول تناقصت استثماراتها ومدخراتها بسبب تدخلاتها لإنقاذ مؤسساتها الاقتصادية واضطرارها إلى ضخ السيولة في شرايينها لمساعدتها على الوقوف، وذلك بالاقتطاع من مخصصات مشروعات التنمية، أو بالاقتراض أحيانا، ثم هناك الأفراد ومنهم الأغنياء والمستثمرون، الذين تناقصت ثرواتهم بسبب ما حل بأسواق المال من انهيارات وتراجعات، وهناك فئة الفقراء الذين تأثروا بارتفاع أسعار المواد الغذائية والضرورية، وانحسار ما يخصص للسكن والمساعدات الاجتماعية في مختلف الدول، بل انحسرت بسبب ذلك المساعدات التي تقدم للدول الفقيرة مباشرة، أو عن طريق منظمات الإغاثة؟!
غياب هيئات المحاسبة والمراجعة
وقد كشف الانهيار الاقتصادي عن هشاشة المقومات التي بنيت عليها الكيانات الاقتصادية في الدول الغربية، والأوهام والهالات التي تحيط بها، وممارسات التدليس والخداع التي كانت تشوب أعمالها، كما كشف عن هزالة الأنظمة الرقابية، وإجراءات الضبط لدى كثير من المؤسسات، وأثبتت الأحداث المريرة أن تلك الأنظمة كانت غائبة عما كان يجري في أروقة الشركات، أو أنها كانت مغيبة بسبب سيطرة الإدارات العليا وانفرادها بالسلطة واتخاذ القرار، واستشراء عمليات التواطؤ والفساد، إذ كيف تنهار مؤسسات تبلغ أموالها عشرات المليارات من الدولارات في الغرب ويتبين أن كل ما فيها قد بني على أوهام؟ في حين يوجد فيها مجالس إدارة وإدارات مراجعة داخلية وخارجية، أجهزة رقابية أخرى مستقلة عن الهيئات الحكومية التي تتبع لها تلك المؤسسات، كالبنوك المركزية، ودواوين المحاسبة، والهيئات القضائية وغيرها، والسؤال الذي يطرح تلقائيا هو أين كانت تلك الهيئات عن الأوضاع الداخلية لتلك المؤسسات والشركات؟! الغريب أن أياً من هذه الهيئات لم يقدم للمحاسبة، ناهيك عن المحاكمة. والذي ينبغي عدم إغفاله، هو أن أي عملية انهيار بالكامل لأي مؤسسة مالية لم تحدث في الدول النامية، التي ثبت أنها كانت أفضل في إدارة المؤسسات الاقتصادية والمالية، وفي إجراءاتها الضبطية والرقابية من الدول الغربية!... إن ما أصاب العالم الآخر من تأثيرات سلبية تتمثل في انحسار الثروات وتأثر الأسواق المالية، وتبخر بعض الاستثمارات العائدة لدول ومؤسسات وأفراد، التي كانت تستثمر وتدعم شرايين الاقتصاد الغربي، إنما يمثل في جوهره تصديرا للفساد بكل مظاهره، الذي كان هو السبب الرئيسي في انهيار ذلك الاقتصاد، بيد أن ما حدث كله جعل الدول النامية تنتبه إلى الاستفادة من المثل القائل (رب ضارة نافعة)، وتنصرف إلى تقوية مؤسساتها الاقتصادية، وتعزيز أنظمتها الداخلية، والأخذ بمبدأ الشفافية والوضوح في نشر المعلومات، وإطلاع الرأي العام على ما يجري فيها، وكان هذا هو السبب في أن تأثرها بالأزمة كان أقل من غيرها.
الحروب سبب رئيسي للفساد
لو نظرنا إلى وضع الدول التي ابتليت بالاحتلال من قبل الجيوش الغربية، ونشبت فيها حروب داخلية بسبب ذلك الاحتلال، مثل العراق وأفغانستان والصومال، لوجدناها أسوأ الدول في مؤشرات الفساد من عدة نواح، هي: - انتشار الفساد في الأوساط الحكومية في تلك الدول بسبب ضعف السلطات المحلية، وتهالك الأنظمة والقوانين بسبب انشغال السلطات بالحرب عن تطوير الجوانب النظامية والتشريعية، لا سيما المتعلقة بالنزاهة ومحاربة الفساد، يضاف إلى ذلك الفساد الذي يتخلل الانتخابات البرلمانية فيها، ويؤدي إلى وصول فئات غير نزيهة إلى كراسي الحكم يصبح همها تحقيق المنافع الذاتية وإيصال المقربين والمحسوبين إلى الوظائف ذات الصلة بالمال العام، ومنافذ الفساد في أعمال التوريدات والأعمال الإنشائية، ومخصصات التموين والتنمية والمشاريع. وهناك الفساد المتعلق بأعمال الدولة المحتلة فيما يتصل بالمناقصات التي تجري لتوفير مستلزمات الجيوش المحتلة من غداء ومواد تجهيز المواقع العسكرية، والمتمثلة في رشا تدفع لبعض القادة العسكريين فضلا عن المبالغة في تكاليف المستوردات. ثم هناك ممارسات الفساد التي تشوب عقود توريدات السلاح والعتاد العسكري، سواء للدولة المحتلة، أو للدولة الواقعة تحت الاحتلال، فهذه تكون مجالا خصبا لوقوع الفساد، سواء في عقود الشراء أو النقل، أو الأعمال اللوجستية المساندة الأخرى.
الحروب سبب لزراعة المخدرات وانتشارها
إن الحروب التي تجري في بعض الدول بسبب الاحتلال، أو التدخلات الخارجية من دول أخرى، تكون سببا في تنامي تجارة المخدرات، وعبورها حدود الدولة إلى مناطق أخرى من العالم، وذلك بسبب ضعف السلطة المحلية وانشغالها عن توطيد الأمن الداخلي، إلى جانب نشوء قوى داخلية تحمي إنتاج المخدرات وتصديرها، وتكون عائدات المخدرات هي المصدر الرئيسي لتمويل تلك القوى بالسلاح في وجه الحكومات المحلية أو المحتلة، كما هو ماثل في بعض البلدان مثل: أفغانستان ولبنان والصومال، وهكذا يكون الغرب وعلى رأسه أمريكا سببا رئيسا لتنامي زراعة المخدرات وانتشارها، بل إن أموال المخدرات ترتد إلى هذه الدول في صورة مقاومة تستمد قوتها العسكرية من الأموال الناشئة عن المخدرات!.
والله من وراء القصد.