نعم آن الأوان يا أصحاب السمو

علينا أن ننتظر في اقتراحات خبرائنا وكتابنا ولا نعتبر أن ما يقولونه أو يكتبونه هو تفريغ ضغط أو مواضيع للتسلية في مجالسنا ثم تنسى. أبحاث يصل إليها أبناء هذا الوطن في جامعاتنا وشركاتنا ثم تطوى في عالم النسيان في أدراج البيروقراطية.
وليعذرني الأمير خالد الفيصل والأمير سعود بن عبد المحسن وأساتذتنا مثل عدنان الشيحة وعبد الله الفايز وتركي الثنيان وخليفة المسعود ومحمد الفال وغيرهم لاستعارتي بعض ما نشروه في بعض أسباب مشكلاتنا، ونكبة جدة مثل جيد لذلك وأقدم بعض الحلول المقترحة.
هل المشكلة في إمكانات وقدرات الأشخاص؟ أم في النظام الإداري أم النظام المالي؟ أم فيها كلها أو ربما غيرها ؟ وهل نحمل القيادة كل كبيرة وصغيرة وننتظر مبادراتها ومتابعاتها دون مواكبة هذا التألق القيادي ولو بقليل من المجاراة على المستوى نفسه والتوجه نفسه؟ أما آن الأوان لوزارة الخدمة المدنية أن تطرح مبادرة إعادة النظر في النظام الإداري مثلا، وتحاول أن تستفيد من نظام ''أرامكو''؟ أما آن الأوان لوزارة المالية أن تعيد النظر في النظام المالي مستفيدة أيضا من ''أرامكو''؟ أما آن الأوان لإعادة النظر في نظام المناطق وتعزيز الإدارة المحلية بصلاحيات تمكنها من إدارة مشاريعها وتحميل مجالس المناطق المسؤولية، حتى يمكن محاسبتهم على التقصير؟ نعم صدقت يا أميرنا أبا بندر، فقد آن الأوان لذلك، فإن ما تشكو منه جدة والمناطق هو المركزية المجحفة في إدارة المناطق ومشاريعها وخدماتها في الوزارات، إضافة إلى الفساد الإداري الذي سنجتثه من جذوره.
ولقد اعتمد الملك عبد العزيز، طيب الله ثراه، منذ إنشاء المملكة، الأنظمة التي تكفل تفعيل دور البلدان والمناطق في إدارة البلاد، ولكي يضمن سير مصالح المواطنين في مناطقهم فقد حاول التقليل من المركزية وفي الوقت نفسه ضمان مشاركة جميع فئات المجتمع عبر مجالس استشارية لكل بلدة تختص بالنظر في المسائل المحلية. وأصدر الملك فهد، طيب الله ثراه، نظام المناطق عام 1412هـ بناء على ما تقتضيه المصلحة العامة ورغبة في تحقيق أهداف الدولة في رفع مستوى الأداء في الأجهزة الحكومية في مختلف المناطق وتطويرها, وبينت المادة الأولى أن الهدف من هذا النظام هو رفع مستوى العمل الإداري والتنمية في مناطق المملكة بجانب المحافظة على الأمن والنظام وكفالة حقوق المواطنين وحرياتهم في إطار الشريعة الإسلامية. ومما كلف به أمراء المناطق هو التأكد من حسن أداء الأجهزة الحكومية المختلفة في المنطقة. الهدف الأسمى من تأسيس نظام المناطق، هو مشاركة الأهالي في شؤون المنطقة فهم أدرى بحاجاتهم وأولياتهم، ولأن الهدف من النظام برمته هو خدمة المواطن ومصالحه، فقد ألزمت الوزارات والمصالح الحكومية بمراعاة قرارات المجلس والأخذ بها، أو توضيح أسباب عدم الأخذ بقراراته.
كما أكد الملك فهد، طيب الله ثراه، أن نظام المناطق يكون خاضعا للتطوير والتقويم حسبما تقتضيه ظروف الدولة ومصالحها. ولقد مر اليوم أكثر من 18 عاما وتم تعديل واحد على النظام عام 1414هـ، لذلك قد يكون آن الأوان لمراجعة النظام وتطويره لإعطاء مجالس المناطق، خصوصا الجاهزة منها، صلاحيات أكبر في إدارة ومتابعة ميزانياتها ومشاريعها.
إن الأجهزة المركزية لا تستطيع, لا من الناحية العملية ولا التخصصية, الاستمرار في إدارة شؤون المناطق والمحافظات وهي بعيدة، يشغلها الهم الوطني والاستراتيجيات. إن انتهاج اللامركزية ومنح المناطق الاستقلال الإداري والمالي وتوحيد المرجعيات الإدارية للأجهزة الحكومية في المناطق والمحافظات سيمكن الحاكم الإداري من ممارسة دوره القيادي كمبادر وواضع للسياسات العامة والرؤى المستقبلية ومحرك للموارد وليس كمنفذ ومتابع وإدارة أزمات. فعندما تكون صناعة القرار أقرب من الناس وممثلة لأولوياتهم وليس أولويات إداري بعيد عن المنطقة، فستكون أكثر فعالية وكفاءة واستجابة لمتطلباتهم.
ويقول الأمير سعود بن عبد المحسن، ''الشرق الأوسط 10009 #'' هناك شبه اتفاق من القمة إلى القاعدة على أنه لا بد من إعطاء أمراء المناطق والمجالس بعض الصلاحيات، حيث يكونون أكثر مسؤولية تجاه منطقتهم ومشكلاتها التي هم أعلم بها، وطالما أن هناك برنامجا لإيجاد الكوادر في المناطق فهذا سيخفف على الحكومة المركزية الكثير، وسيضع كل مسؤول في الإمارة بما فيها أمير المنطقة أمام مسؤولياته أمام ولي الأمر ويخلي مسؤولية وضمير ولي الأمر من المسؤولية. فإذا أخطأ – يقول سعود بن عبد المحسن – فإن الناس تعلم أن ولي الأمر قد أعلمه بميزانيته وأن مجلس المنطقة هو الذي يقرر ويرسي ويعلن كل الضوابط الموجودة، أنا أصبو إلى اليوم الذي تناقش فيه ميزانيات المناطق من قبل المواطن نفسه''. نحن كذلك كمواطنين نصبو إلى ذلك يا صاحب السمو، حتى يكون للمجلس المرونة في توجيه موازنة المنطقة لحل مشكلاتها الملحة بدلا من الجزر الإدارية المعزولة التي لا تأتمر إلا بأوامر المركز وتعجز عن الاستجابة لمقتضيات التنسيق مع الجهاز الخدمي في مناطقه. ونتطلع إلى أن تناقش المالية ميزانية كل منطقة مع مجلسها وأميرها حسب أولوياتهم ثم تكمل ذلك مع الوزارات المعنية حتى تكون المشاريع متكاملة ولها فائدة، بدلا من هدر الأموال كما هو الحال الآن، وقد تحتاج وزارة المالية إلى توجه بذلك، وإلى أن تطور أنظمتها بحيث تلغي قرار الترسية على الأقل سعرا، فقد ثبت فشله وتأخيره للمشاريع وكذلك تقويم قيمة كل مشروع قبل المناقصة. قرارات سهلة في قدرة وزير المالية، القادر على التخلص من المدرسة القديمة، أُم الوزارات لتصبح المحرك الحقيقي للوزارات ولدى معاليه في وزارته أفضل وأخلص وأكفأ الموظفين في الدولة، لتتمكن الوزارة من مسايرة التغيرات التي تعيشها مملكتنا. ينبغي علينا مراجعة أنظمتنا وسبل تطويرها حتى نقضي على هدر المال العام وسلبه ونقاوم الفساد ونبتره من جذوره وأن نستمر في محاسبة المقصرين فلن يسلم موظف أو مقاول من المساءلة ولو بعد حين. علينا إصدار نظام للإدارة المحلية يمنح مجالس المناطق والمجالس المحلية الاستقلال الإداري والمالي ويحدد مهام وأدوار الهيئات الوطنية والإقليمية وينظم العلاقة فيما بينها. و18 عاما كافية لتقييم نظام المناطق وتطويره حتى لا يبقى صوريا ونستمر في المعاناة. وحتى لا تتكرر فاجعة جدة في محافظات أخرى ولتكن هذه الفاجعة دافعا لنا لتأييد حرية الصحافة المسؤولة والنقاشات الهادفة البناءة وليس للعويل وجلد الذات وتصفية الحسابات وأن تشكل لجنة برئاسة أمير كل منطقة للبحث والتحقيق في أمور الفساد الإداري وتحويلها إلى الجهات المختصة دون استثناء أي شخص أو جهة حكومية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي