التقشف والانضباط
في المقال السابق لم نكمل الحديث عن (خدمة العلم) واكتفينا بتعريف تلك الخدمة التي اقترحتها، وأشرت إلى طبيعة تلك الخدمة العسكرية وأنها تنمي لدى الشباب التقشف وإطاعة الأوامر (الانضباط) التي لا تتعارض مع طاعة الله تعالى، ويتدرب الطالب ليتعرف على القدرة على الرماية على الأسلحة الخفيفة مثل المسدس والبندقية وكذلك القدرة على المشي والهرولة في طوابير عسكرية، ونضيف لكل ذلك أن برنامج خدمة العلم يشتمل على الزحف تحت الأسلاك الشائكة والمشي على أعمدة مرتفعة قليلا وما شابه ذلك من تدريبات عسكرية تُعلم الطالب سرعة الحركة في كل اتجاه بمرونة ومهارة بجانب معرفة استخدام السلاح الأبيض والدفاع عن النفس ومهاجمة العدو والتغلب عليه بعونه تعالى، مع نبذه عن نظام العلم السعودي وطريقة تحيته وترديد النشيد الوطني، كما يشمل البرنامج دروساً نظرية عن الأسلحة والمنظومات العسكرية والخلفيات كما ذكرنا آنفاً، مع الإشارة لأبرز ما في الحياة العسكرية ومقارنتها بالحياة المدنية وأهمية وفوائد خدمة العلم التي تتمثل في طاعة الله تعالى ثم الدولة والوطن وخاصة في وقت الأزمات والطوارئ والحروب، كما يدخل في البرنامج كل ما يتعلق بالتربية الوطنية وحقوق الإنسان وواجباته الرئيسة ودراسة عن مكارم الأخلاق، ومن الملاحظ في مجتمعنا - وإن لم تكن ولله الحمد ظاهرة لافتة للانتباه - عدم جدية بعض الشباب وميوعتهم وخاصة أولئك الذين يطيلون شعورهم ويلبسون ملابس ضيقة ويزيدون من الاهتمام بالبشرة والشعر، وتلاحظ على كلامهم وتصرفاتهم ما يدل على رخاوة الشخصية وحاجتهم ليكونوا أكثر رجولة وخشونة وانضباطاً، ومثل هؤلاء تجدهم أكثر الشباب تسكعاً في المقاهي والشوارع ولا يحترمون كبار السن ولا تجد ما يشغلهم في حياتهم سوى الصحف الرياضية والمباريات واهتمامهم فقط بالنادي الرياضي الذي يستهويهم مع أنهم يعانون السمنة وضعف اللياقة البدنية، ومن صفاتهم السلبية أنهم لا يحملون هم الأمة ولا يحرصون على متابعة مشكلات ومآسي الأمة التي تتناقلها الأخبار يومياً، ودخول مثل هؤلاء برنامج خدمة العلم يزيل بعون الله تعالى كثيراً من سلبياتهم ويجعلهم أكثر رجولة وجدية، كما أن عقوق الوالدين وقطع صلة الأرحام الذي يصيب بعض الأسر سيتلاشى - إن شاء الله - مع البرنامج التدريبي المذكور الذي يهتم بمكارم الأخلاق والطاعة لله تعالى ورسوله ثم لولاة الأمر وصلة ما أمر الله به أن يوصل، ويشمل البرنامج تمارين جادة لتخفيف الوزن والوصول إلى مستوى جيد للياقة البدنية، كما يحرص البرنامج على الحث على التعاون وتنمية روح الفريق لأن العمل في تلك الخدمة لا يكون إلا جماعياً، كما يتضمن البرنامج ثقافة إسلامية والتزاماً بصلاة الجماعة وكل ما له علاقة بأركان وأساسيات الإسلام دون غلو أو تفريط، واستضافة ما يمكن من المحاضرين لرفع مستوى المعرفة والثقافة في ذلك البرنامج، وأتشرف بعرض هذا الرأي على جهات الاختصاص في الدولة انطلاقا من حبي وغيرتي على وطني - المملكة - وآمل أن تتم دراسته من المختصين الذين يعنيهم الأمر، ويستثنى من هذا البرنامج الشباب الذين لديهم أعذار شرعية تمنعهم من الالتحاق بتلك الخدمة، لكن لا بد من التأكد من ذلك ولا بد من إجراء يحد من سوء استغلال ذلك الاستثناء كدفع غرامة أو حرمان من ميزة، كما يجب أن يكون النجاح في هذا البرنامج ميزة يتمتع بها الناجح وكذلك المتفوق مما يسهل عليه دخول الكلية التي يرغبها في الجامعة أو الحصول على عمل أو الانخراط في إحدى الكليات العسكرية، كما يستفاد من خريجي تلك الخدمة في ضبط الأمن في الحج مع قوات الأمن الداخلي رديفاً لهم ويمكن أن يكونوا بملابس مدنية، كما يستفاد منهم في حراسة المدن والقرى والمنشآت الحساسة في زمن الأزمات والحروب، ولا شك أن هذا البرنامج يحتاج إلى معسكرات في مناطق المملكة الخمس ولا شك أنه يحتاج إلى مبان وأجهزة ومعدات وميزانية ومعلمين ومدربين، ويمكن الاستفادة كثيراً من المتقاعدين العسكريين المؤهلين من ضباط وأفراد لإدارة تلك المعسكرات والتعليم والتدريب فيها، كما يمكن الحصول على البرامج المطبقة في الدول العربية للمقارنة والاستفادة بما يتناسب مع ظروفنا وحاجتنا، وإذا وجد أن هذه الفكرة تحتاج إلى وقت أطول للدراسة وتجهيز المنشآت فعلى الأقل تؤجل إلى وقت لاحق ولا تموت الفكرة، ويكتفى بالتركيز على برامج الكشافة التي تديرها وزارة التربية والتعليم لتكون تلك البرامج أكثر جدية وفعالية وأكثر فائدة وتطبق على جميع الطلبة ولا يستثنى من البرنامج إلا لأسباب شرعية كما أسلفت. وأرى أمام كل تلكم الإيجابيات التي ذكرتها أن ينظر لهذا الاقتراح بشكل جاد، ويجب ألا يقف أمام هذه الرأي مبدأ (سد الذرائع) الذي إذا أسيء استخدامه يكون عائقاً أمام الأفكار الجادة التي تخدم الدين والدولة والوطن وأنه كثيراً ما يتم الالتفات لقليل من السلبيات ويتم تجاهل الإيجابيات الكثيرة مع أنه يمكن تدارك السلبيات بحسن الإشراف والمراقبة، وأسأل الله تعالى التوفيق لما يحب ويرضى، ونعود في الحلقة القادمة (97) لبقية ما ورد في مواد نظام الحكم الأساس مما له صلة بحقوق الإنسان.