سوق التبرعات السوداء
أيعني هذا أن هناك تبرعات سوداء وأخرى بيضاء!
نعم ورمادية اللون كذلك، لكن المطمئن في الموضوع أن سوق التبرعات السعودية يغلب عليها اللون الأبيض بفضل الله تعالى ثم بفضل مصداقية القائمين على الأعمال الخيرية وحسن نواياهم.
إلا أن مما ينغص على ممارسي العمل الخيري النزيه قبل غيرهم من شرائح المجتمع بعض الاختراقات التي يقوم بها إما أصحاب مشاريع ضالة أو أصحاب مصالح ذاتية، مستغلين بذلك حب الناس للصدقة ومساعدة الآخرين وثقتهم بالقطاع الخيري.
ولتحجيم هذه الاختراقات وتعزيز تلك العلاقة الإيجابية بين محبي الخير وممارسيه فإن هناك ثلاث ركائز مهمة. أولاها: وعي المتبرع وإدراكه أن دوره يتعدى دفع الزكاة أو الصدقة إلى تحريه الدقة في اختيار الجهة المناسبة للدعم. إن من حق المتبرع أن يعرف مسبقاً كل المعلومات التي تزرع فيه الطمأنينة تجاه الجهة التي تطلب التبرع أو الدعم، لكن ذلك ينبغي ألا يصل إلى التشكيك في النوايا واتهام البواطن. وثاني هذه الركائز هي مهنية المنظمات الخيرية في طلب واستقبال وإدارة التبرعات، وتحري أعلى معايير الجودة عند ممارستها لجمع التبرعات، ليس ذلك فقط لكسب ثقة المتبرع - مع أن الثقة هي الكلمة السحرية في عملية جمع التبرعات - بل لإبراء الذمة الشريعة والاجتماعية التي يتحملها القائمون على المنظمات الخيرية. أما الركيزة الثالثة فهي توافر قوانين واضحة ومناسبة لتنظيم عملية تدفق التبرعات واستقبالها من الجهات الرسمية ذات العلاقة. وعندما نشير إلى أن تكون واضحة ومناسبة فإن العقل يرمي إلى أهمية أن تراعي هذه الأنظمة والقوانين حاجة المنظمات الخيرية للتبرعات واعتمادها الكبير عليها في تحقيق أهدافها النبيلة وإفادة شرائح المستفيدين من خدماتها، كما من المهم أن تراعي تلك الأنظمة أن التصدق رغبة شخصية ملحة عند أغلب الناس ولا سيما في مجتمع يرى في الصدقة قربة لله تعالى وشفاء للأمراض وسببا لانشراح الصدر ونجدة للمحتاج وغير ذلك.
يأتي الحديث عن سوق التبرعات السوداء في وقت تداولت وسائل الإعلام المحلية بعض القضايا الساخنة حول بعض الممارسات الخاطئة التي لها علاقة بجمع التبرعات، وهي وإن كانت صدمة لكثير منا إلا أننا لا بد أن نستشعر أنها حالات استثنائية لا تعبر عن قطاع العمل الخيري والعاملين فيه، حيث إنه لا تخلو حتى الدول الأكثر تنظيماً من ممارسات خاطئة تظهر بين الفينة والأخرى في سوق التبرعات الشائك. لكن هذه الممارسات يجب ألا تمر على المعنيين بالعمل الخيري من جهات رسمية وتنفيذية مرور الكرام لأن عدم أخذ الدروس من هذه الممارسات الخاطئة في جمع التبرعات سيكون نواة كرة الثلج التي قد تطيح بثقة الناس بالقطاع الخيري كله بدلاً من بعض منظماته أو شخصياته، وعندها فإن إعادة بناء الثقة في القطاع ستكون عملية صعبة للغاية.
المشكلة أنه عندما يفقد الناس الثقة بالقطاع الخيري ومنظماته فستروج سوقاً سوداء غير مشاهدة للتبرعات لأن الناس يحتاجون للتصدق كما يحتاج أحدنا للأكل والشراب وعندما لا يثق المتبرع بالقطاع الخيري المنظم فسوف يبحث عمّن يسد حاجته خارج القطاع.
إنه من المصلحة العامة أمنياً واجتماعياً واقتصاديا أن يظل القطاع الخيري المنظم محل ثقة الناس واحترامهم، لكن هذه الرؤية لن تتحقق إلا بتكاتف الجهود بين مصادر الركائز الثلاث آنفة الذكر. تبقى الإشارة إلى أن محاصرة التبرعات السوداء ينبغي ألا تصرف الجهود عن تعزيز سوق التبرعات البيضاء.