إلى أين تذهب أرباح الأسهم؟

في الأيام القليلة الماضية قرأنا بعض التحليلات الجيدة التي تناولت آخر مستجدات سوق الأسهم من واقع قريب ومن نظرات أكثر شمولية فيشكر للكتّاب الأفاضل مجهودهم الذي يرمون به إلى توعية المستثمر بالدرجة الأولى.
أود في طرحي هذا أن ألقي الضوء على الموضوع نفسه ولكن من زاوية أخرى قلما يتم نقاشها أو التطرق إليها بحكم تسارع أوضاع وتقلبات السوق وعدم توافر مساحات كافية لوقفات التأمل.
في الحقيقة إنني أتساءل عن كيفية إنفاق أو إعادة استثمار الأرباح المتحققة من تداول الأسهم. فهل يعيد المستثمرون تدويرها والمغامرة بها مجددا في سوق الأسهم معولين الآمال على المزيد من الإشاعات؟ هل يقومون بشراء عقار أو بضائع استهلاكية (سيارة/ أثاث..)؟ هل يقومون برحلات سياحية؟ هل ينفقونها على تعليم أبنائهم وتثقيف أنفسهم؟
مغزى السؤال في الواقع هو: لماذا نضارب في الأسهم؟ كيف تعود هذه الأموال السهلة الكسب بنفع ذي قيمة مضافة فعلية على نوعية حياتنا واقتصادنا؟
وفي الحقيقة أن هذا الأمر يحتاج إلى وقفة وتحليل أعمق من حدود هذه الأسطر.
وللأسف فعندما أوجه هذا السؤال لمن حولي من المستثمرين في الأسهم غالبا ما أتلقى إجابة مقلقة وهي: المزيد من المال والمزيد من الاستثمار في الأسهم!
وإلى الآن لم تصلني إجابة وافية عن خطة مدروسة للاستفادة من الأرباح المتحققة في سوق الأسهم بشكل يسهم في بناء وتطوير الذات ومستقبل الفرد أو بشكل يستفيد منه اقتصادنا. ففي أول الأمر بالنسبة لحديثي الثروة يتم شراء الكماليات من أثاث أو سيارة أو مجوهرات وما إلى ذلك من المشبعات المادية للنفس البشرية.. ولكن ماذا بعد ذلك؟
من المؤكد أنه تنقصنا ثقافة التخطيط واستراتيجية بناء المستقبل خطوة بعد خطوة واتباع خطة مرسومة لهذا الطريق. وهو أمر يدعو للقلق لأننا ما زلنا كدولة في مرحلة انتقالية عمرية حيث إننا من أكثر شعوب العالم كثافة في فئتي الشباب والمواليد، وهو الأمر الذي يحتم علينا التفكير والتخطيط للمستقبل.
عندما يفد العامل الأجنبي للكسب (سواء كان موظفا كبيرا أو عاملا بسيطا) نجد أن لديه خطة محكمة لادخار أو استثمار كل ريال يجنيه من الراتب. أما الفرد السعودي ذو الثقافة المالية والاستثمارية المحدودة فإنه غالبا ما يدبٍر ما يكفي ليومه و"لكل حادث حديث"، حتى وإن خطط للمستقبل فإن خططه في العادة تفتقر إلى الدقة في حساب أصوله وخصومه (ما له وما عليه) دون حساب تضخم الأسعار ومصاريف المستقبل الطارئة.
إذن فالأمر يحتاج إلى وقفة تدبر جادة، ولعل ما حدث أخيرا في السوق من هبوط الأسعار لهو خير دليل على أن المال يأتي ويذهب ثم يعود وهكذا دواليك، ولكن ما لا يمكن ضمانه هو قدرتنا نحن البشر على تحصيله مرة أخرى سواء للظروف الصحية أو المادية أو لأي امتحان دنيوي آخر.
ولست هنا أحاول تحدي قوة القضاء والقدر إلا أنني من المؤمنين بمبدأ "اعقلها وتوكل" وأؤكد هنا على كلمة أعقلها. فالله سبحانه وتعالى وهبنا العقل للتدبر، أوصانا باستخارته وأوصانا بالبحث في طلب العلم والتريث في الأمور والتحوّط للمستقبل "إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين". وكلها أمور يعيها ويطبقها القلة في أيامنا هذه بعكس الأكثرية الذين اختاروا ركوب موجة الأسهم العاتية على أمل تحقيق حلم الثراء.
ومن هذا المنطلق أود أن أقترح بعض المنافع المهمة التي يمكننا –بل ينبغي علينا- استثمار أرباح أسهمنا فيها:
o الادخار للمستقبل والتقاعد والعائلة. فنسبة البطالة بين النساء القادرات على العمل مازالت عالية في مجتمعنا الأمر الذي يجعل الرجل مصدر الدخل الوحيد للأسرة. والذي لا يدركه الكثير أن التقاعد قد يأتي مبكرا جدا لظروف صحية أو عائلية أو قدرية، فينبغي بالتالي التفكير جيداً في احتياجاتنا المستقبلية وكيفية توفيرها.
o قضاء الدين: فمهما طال الأجل أو قصر فإنه لا بد أن نرد الأمانات إلى أهلها.
o التعليم: مهما قلت فإنه لا يمكنني وصف أهمية هذا التوجه. وأعني هنا بالتعليم التخصصات التي يحتاج إليها سوق العمل بصفة عامة كالأساسيات مثل اللغات والحاسوب والأعمال التقنية. فهذا هو الاستثمار في الموارد الفكرية البشرية التي لا تنضب مع مرور الزمن والتي تحتاج إليها بلادنا خاصة في المرحلة المقبلة.
o المسكن: فعلى الساكن بالأجرة أن يحاول هيكلة أرباحه أو إيداعها كدفعة مقدمة لشراء أو بناء مسكن أو إذا كان رأس ماله محدودا فيمكنه عمل الدفعة المقدمة ثم تقسيط الباقي من راتبه أو من خلال قرض طويل الأجل. ولعل قوانين الرهن العقاري التي ستوثق قريباً تسهل عملية الاقتراض الطويل الأجل وبأسعار معقولة.
o المشاريع التنموية التي تعود على الاقتصاد بالنفع والرخاء. وأوجه الرسالة هنا إلى رجال الأعمال والمقتدرين والذين تضاعفت ثرواتهم من سوق الأسهم أخيرا. آن الأوان لنحد من إنشاء المراكز التجارية والمنشآت السكنية بأنواعها. فقد تطاولنا في البنيان وآن الوقت للاستثمار في المدارس والمعاهد التعليمية التي تلبي مطالب سوق العمل مثلاً. بالطبع أعلم أن الكثير من رجال الأعمال يحجمون عن هذه المشاريع ذات الربحية الطويلة الأجل وكلفة التشغيل العالية، ولكن لو اتحدت (وفي الاتحاد قوة) مجموعة من رجال الأعمال برأس مال مساهم ومقنن لإنشاء مجموعة مدارس أو معاهد لذوي الدخل المحدود فقد أفدنا الاقتصاد والمجتمع جيداً دون إرهاق ميزانية كل مستثمر على حدة.
وبالمناسبة فإني أعي جيداً أنه تنقصنا القوانين والتشريعات اللازمة للعديد من التوجهات والاستثمارات التجارية والتنموية لكن قيام مجموعة من المستثمرين بهذا المجهود سوف يحفز المسؤولين إلى تسريع وتفعيل وتعديل القوانين بما يتلاءم مع متطلبات المجتمع والاقتصاد، أما إذا طال واستمر إلقاء اللائمة على نقص التشريعات وحده إن ذلك لن يدفع بالعجلة سوى إلى الوراء.
باختصار فإن أبواب الاستثمار كثيرة ولا يمكن حصرها وبالرغم من كل العوائق فإننا قد تعلمنا في مبادئ الإدارة "كيفية إدارة الصعوبات والعوائق" لصالحنا دون أن ننتظر التغيير القادم إلينا على شكل هبة ومعجزات سماوية. والله ولي التوفيق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي