أمن الحج والقانون الدولي

حذرت المملكة العربية السعودية من استغلال الحج لأغراض سياسية وتعكير صفو الحج, وشدد مجلس الوزراء خلال جلسته التي انعقدت برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز يوم الإثنين 14/11/1430هـ الموافق 2/11/2009 على أن سياسة المملكة لا تسمح لأي جهة بتعكير صفو الحج والعبث بأمن الحجيج ومحاولة شق الصف الإسلامي, وناشد المجلس جميع الحجاج البعد عن كل ما يعكر صفو الحج، وعليهم الاستفادة من وجودهم في الأراضي المقدسة في التقرب إلى الله تعالى والالتزام بمقاصد الحج الشرعية امتثالا لقوله تعالى «الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولى الألباب».
وجاء هذا التحذير في أعقاب التصريحات المنسوبة للمرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي, الذي يعد أعلى مرجع ديني وسياسي في إيران, تضمنت الادعاء زورا وبهتانا بسوء معاملة السلطات السعودية الحجاج الإيرانيين, ودعا إلى استغلال موسم الحج للدفاع عن «القيم الإسلامية والبراءة من المشركين», وأكد أن بلاده سيكون لها موقف آخر إذا لم تغير السلطات السعودية من أساليب معاملة المواطنين الإيرانيين, وشارك الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في الحملة الإعلامية ضد السعودية وأعلن أن بلاده ستتخذ قرارات مناسبة إذا لم يتلق مواطنوها معاملة مناسبة خلال أدائهم مناسك الحج في السعودية ــ حسب زعمه.
ويرى بعض المراقبين والمحللين السياسيين أن الأزمة الداخلية التي تعيشها إيران والضغوط الخارجية التي تواجهها بسبب برنامجها النووي دفعت قادة إيران إلى اختلاق معركة إعلامية مع السعودية لصرف انتباه الشعب الإيراني إلى قضايا خارجية مفتعلة تبعده عن الاهتمام بقضاياه الداخلية الحيوية.
والظاهر من هذه الحملة الإيرانية أنها تنطوي على التهديد بالإخلال بأمن الحج وتعكير صفوه بقصد الإساءة إلى السعودية قيادة وشعبا, فجاء التحذير السعودي بأن السعودية لن تسمح باستغلال الحج لأغراض سياسية ولن تسمح بالإخلال بأمن الأماكن المقدسة وحجاج بيت الله الحرام.
ومن المفارقات الجديرة بالإشارة هنا أن المرشد الأعلى الإيراني والرئيس الإيراني استنكرا ودانا المظاهرات والاضطرابات التي شهدتها إيران احتجاجا على نتائج انتخابات رئيس الجمهورية, لكنهما لم يتورعا عن التلويح بتعكير موسم الحج وزعزعة أمن الحجيج.
ولعل من المناسب في هذا الصدد أن نشير في عجالة إلى أمن الحج من منظور القانون الدولي العام, فنقول إنه استنادا إلى مبدأ السيادة الوطنية يمكن القول بصفة عامة إن حماية دور العبادة وتنظيم إجراءات وسبل الوصول إليها بغرض الزيارة وأداء الشعائر الدينية تخضع للقواعد العامة المنصوص عليها في الدساتير والقوانين الداخلية للدول التي تقع في أقاليمها هذه الدور.
والمملكة العربية السعودية ــ ملكا وحكومة وشعبا ــ تعد خدمة حجاج بيت الله الحرام شرفا لها وواجبا فرضه الله عليها, وهي لذلك تجند كل إمكاناتها وطاقاتها المادية والبشرية من أجل توفير كل أسباب التيسير والراحة والأمان لضيوف الرحمن ليؤدوا مناسكهم في سهولة ويسر وأمن وطمأنينة وشرعت الأنظمة واللوائح اللازمة لتنظيم تسيير مرافق خدمات الحج والحجاج.
وأكد النظام الأساسي للحكم واجب الدولة السعودية ومسؤوليتها في هذا الشأن, حيث نصت المادة 24 منه على ما يلي: «تقوم الدولة بإعمار الحرمين الشريفين وخدمتهما وتوفر الأمن والرعاية لقاصديهما بما يمكن من أداء الحج والعمرة والزيارة بيسر وطمأنينة».
وأنفقت وتنفق الدولة سنويا مبالغ ضخمة في سبيل توسعة وصيانة الحرمين الشريفين وإنشاء وتوسعة وصيانة الطرق والأنفاق والجسور وغيرها من المرافق الهادفة إلى خدمة الحجاج وتأمين راحتهم وسلامتهم وتنظيم أداء مناسكهم في يسر وسهولة وأمان وطمأنينة. ولسنا هنا بصدد استعراض المشاريع الخاصة بشؤون الحج والمبالغ الضخمة التي تنفقها الحكومة السعودية في هذا المجال, وإنما يهمنا هنا الحديث عن أمن الحج من منظور القانون الدولي العام.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن جميع الحجاج أيا كانت جنسياتهم ملزمون بأمرين مهمين هما:
الأمر الأول التقيد بالأحكام الشرعية الخاصة بكيفية أداء مناسك الحج وفي إطار قواعد وآداب السلوك القويم التي حددتها الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة.
وجدير بالذكر هنا أن أمين عام مجمع الفقه الدولي الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي أصدر بيانا جاء فيه أنه يحرم مطلقا على الحاج لبيت الله الحرام الإتيان بأي قول أو فعل يعكر صفو الحج ويزعزع أمنه, وأوصى المجمع الحجاج بالتزام تعاليم الدين من آداب وسلوك أثناء فترة أدائهم المناسك في الحرمين الشريفين والأماكن المقدسة, لافتا إلى أن على الحاج تجنب زرع الفتن وإثارة الخلافات وترديد الشعارات والإساءة للحرم الآمن وإزعاج ضيوف الرحمن.
الأمر الآخر الالتزام بالأنظمة واللوائح السعودية, خصوصا المتعلقة بشؤون الحج سواء المتعلقة بأمن الأماكن المقدسة أو المنظمة لأعمال مرافق خدمات الحجاج وتنظيم إقامة الحجاج وتنقلاتهم أو غير ذلك من شؤون الحج.
فالحجاج شأنهم شأن أي مقيم آخر في السعودية ملزمون بمقتضيات المادة 41 من النظام الأساسي للحكم التي تنص على ما يلي: «يلتزم المقيمون في المملكة العربية السعودية بأنظمتها وعليهم مراعاة قيم المجتمع السعودي واحترام تقاليده ومشاعره».
تلك هي التزامات الحجاج, أما التزامات الدول التي ينتمي إليها الحجاج في هذا الشأن فتتحدد في ضوء مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية المستقر في القانون الدولي العام, الذي نص عليه ميثاق الأمم المتحدة وميثاق منظمة المؤتمر الإسلامي, فلا يجوز لأي دولة أن تتخذ من موسم الحج ذريعة للتدخل في الشؤون الداخلية للمملكة العربية السعودية أو تحريض الحجاج والمعتمرين على انتهاك حرمة الأماكن المقدسة أو انتهاك سيادة الدولة ومخالفة قوانينها أو الإخلال بأمن الحج والحجاج أو بث أي نوع من أنواع الدعاية السياسية أو الحزبية أو المذهبية وإشعال نيران الفتن والاضطرابات السياسية والمذهبية والطائفية بين الحجاج, فكل دولة ملزمة باحترام سيادة الدولة السعودية وتوعية مواطنيها من الحجاج والمعتمرين بآداب السلوك في هذه الأماكن المقدسة واحترام سيادة الدولة السعودية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي