لمحة عن صندوق أوبك للتنمية الدولية ومديره العام
قبل أيام قليلة تداولت بعض الصحف خبراً مفاده أن سفير المغرب لدى النمسا، قلد بالنيابة عن العاهل المغربي الملك محمد السادس، الأستاذ سليمان جاسر الحربش مدير عام صندوق أوبك للتنمية الدولية (أفيد)، وساماً رفيعاً هو الوسام العلوي الملكي من درجة قائد، وذلك اعترافاً وتقديراً لإنجازات الصندوق المتواصلة على الصعيد الإنمائي في جميع أرجاء العالم، فضلاً عن المساعدة على تعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية في المغرب وإفريقيا. وقد عبر الأستاذ سليمان الحربش عن شكره وتقديره للعاهل المغربي والمملكة المغربية، مشيراً إلى أنه يتسلم الوسام نيابة عن أسرة (أفيد).
والواقع أن صندوق أوبك ومديره العام يستحقان الإشادة والتكريم، وعلى الرغم من الدور الفاعل الذي يؤديه هذا الصندوق في مساعدة الدول النامية وتمويل مشاريعها وبرامجها الخاصة بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية، إلا أنه لم يحظ من وسائل الإعلام خصوصاً في العالم العربي، بالاهتمام والتنويه الذي يستحقه ويتكافأ مع دوره وإنجازاته. وفي تقديري أن هذا الصندوق كمنظمة دولية إنمائية يستحق اهتمام الباحثين وأن يكون موضوعاً لإطروحات ماجستير ودكتوراه، وإنني بصدد إعداد دراسة قانونية عنه أرجو أن أتمكن قريباً من نشرها.
ولعل من المفيد أن أنقل هنا للقارئ الكريم ما جاء في إحدى نشرات الصندوق الصادرة عام 2008 بشأن تاريخ إنشائه وأهدافه، حيث أوضحت النشرة أن فكرة إنشاء الصندوق طرحت أثناء انعقاد القمة الأولى لملوك ورؤساء الدول الأعضاء في الأوبك في منظمة الأقطار المصدرة للبترول (أوبك) في الجزائر في شهر آذار (مارس) 1975، إذ صدر عن المؤتمر إعلان رسمي (أكد مجدداً على التضامن الطبيعي الذي يوحد بين بلدان الأوبك وسائر البلدان النامية في سعيها الدؤوب إلى التغلب على مشكلة التخلف الإنمائي ودعا إلى اتخاذ التدابير اللازمة لتعزيز التعاون بين هذه البلدان جميعاً).
وفي شهر كانون الثاني (يناير) 1976 تم إنشاء الصندوق إثر مؤتمر عقده وزراء المالية في الدول الأعضاء في منظمة أوبك، وكانت الفكرة آنذاك هي إنشاء صندوق مشترك لتقديم المعونات على أن تكون موارده إضافية إلى تلك الموارد التي كانت تقدمها بالفعل البلدان الأعضاء في الأوبك من خلال عديد من المؤسسات الثنائية والمتعددة الأطراف. وفي عام 1980، قامت الدول الأعضاء بتحويل الصندوق إلى منظمة حكومية تنموية مستقلة لها كيانها الخاص، وتم توقيع اتفاقية مقر مع حكومة النمسا، وعرف باسمه الرسمي صندوق أوبك للتنمية الدولية، واختصاراً يشار إليه بكلمة «أفيد»، وهي الأحرف الأولى من الاسم الرسمي الظاهرة في شعاره. وقد حصل أخيراً على صفة مراقب لدى الأمم المتحدة وأصبح له الحق في المشاركة على صعيد الأنشطة الدولية، خاصة تلك التي تتعلق بالدول النامية ومكافحة الفقر والأوبئة.
تتكون موارد الصندوق بوجه عام من المساهمات التطوعية التي تتبرع بها الدول الأعضاء في منظمة أوبك، إضافة إلى الدخل العائد من استثمارات وقروض الصندوق.
وقد بدأت عمليات الصندوق في آب (أغسطس) 1976 بموارد أولية بلغت قيمتها 800 مليون دولار أمريكي. وقد جددت هذه الموارد ثلاث مرات. وازدادت هذه الموارد نتيجة للأرباح العائدة على سبع من الدول الأعضاء في منظمة أوبك من بيع الذهب الذي كان مودعاً لدى صندوق النقد الدولي.
ومن حيث المبدأ، يحق لجميع الدول النامية، باستثناء الدول الأعضاء في منظمة أوبك، الحصول على مساعدات الصندوق، بيد أن الدول الأقل نمواً تحظى بالأولوية، ومن ثم فهي تحظى بالنصيب الأكبر من مساعدات الصندوق.
وقد استفاد من مساعدات الصندوق المالية حتى الآن 121 بلداً، منها 50 في إفريقيا، و40 في آسيا، و27 في أمريكا اللاتينية و4 في أوروبا.
وأوضحت النشرة أنه (على صعيد القطاع العام، قام (أفيد) بتنفيذ 16 برنامجاً إقراضياً منذ إنشائه حتى الآن. وأصبح البرنامج الإقراضي الميسر الـ 17 الذي تمت الموافقة عليه لمدة ثلاث سنوات، سارياً منذ بداية كانون الثاني (يناير) 2008. وبنهاية تشرين الثاني (نوفمبر) 2008، بلغ الإجمالي التراكمي الذي تم التعهد به لدعم 1195 قرضاً للقطاع العام مبلغاً قدره 7.724 مليون دولار أمريكي، تم صرف مبلغ 4.706 مليون دولار أمريكي من هذه المبالغ. وحتى تاريخه، تمثل القروض الميسرة الممنوحة للبلدان ذات الدخل المنخفض نسبة 73 في المائة من إجمالي القروض المقدمة، بينما تشغل تعهدات المؤسسة لإفريقيا نسبة 50 في المائة من إجمالي تعهداتها، ويوجه معظمها إلى جنوب الصحراء.
وفي إطار مرفق القطاع الخاص، الذي تأسس في عام 1998، تمت الموافقة على 125 عملية لدعم المنشآت الخاصة في كل من إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وأوروبا. وبنهاية تشرين الثاني (نوفمبر) 2008، بلغ حجم التعهدات للقطاع الخاص 853 مليون دولار أمريكي، صرف منها 354 مليون دولار أمريكي.
وفي عام 2006، تم إنشاء برنامج تمويل التجارة. وحتى نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) 2008، تمت الموافقة على تسهيلات اعتماد تبلغ قيمتها الإجمالية 119 مليون دولار أمريكي وضمانات اقتسام المخاطرة يبلغ قدرها 29 مليون دولار أمريكي، صرف منها 77 مليون دولار أمريكي.
أما بالنسبة للمنح، فتقدم المساعدات لدعم العمليات الإنمائية الاجتماعية والإنسانية من خلال ثلاثة برامج منتظمة، وهي المساعدات التقنية، والأبحاث والأنشطة المماثلة، والإغاثة الإنسانية في حالات الطوارئ. كما أسس (أفيد) حسابات خاصة للمنح من أجل الاستجابة العاجلة في الاحتياجات العالمية الملحة. وهي تشمل تلك المنح الخاصة بتأسيس صندوق السلع الأساسية، إضافة إلى الحساب الخاص بعمليات مكافحة الإيدز وفيروسه والحساب الخاص بفلسطين. كما تم تأسيس كل من برنامج المنح الدراسية السنوية وجائزة (أفيد) السنوية للتنمية في عام 2006. ويقدم (أفيد) بين الحين والآخر منحاً خاصة لدعم القضايا المعاصرة مثل منحة تأسيس الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (إيفاد) ومنح دعم مواجهة أزمات الأغذية في إفريقيا. وتجدر الإشارة إلى أن (أفيد) بصدد تأسيس كرسي الأستاذية للتنمية المستدامة في إحدى الجامعات المرموقة.
وبنهاية تشرين الثاني (نوفمبر) 2008، بلغ عدد المنح المقدمة 1015 منحة تبلغ قيمتها الإجمالية 433 مليون دولار أمريكي، إضافة إلى ذلك، فقد ساعد (أفيد) على توفير مبلغ قدره 972 مليون دولار أمريكي لاثنتين من المؤسسات الدولية، حيث قام بتسهيل انسياب مساهمات الدول الأعضاء في الأوبك في رأس المال الابتدائي ثم في أول تغذية لموارد (إيفاد) وتقديم الدعم المالي باسم سبعة من البلدان الأعضاء في الأوبك إلى صندوق الائتمان الخاص بصندوق النقد الدولي).
ويمثل المجلس الوزاري السلطة العليا للصندوق، ويتألف من وزراء مالية الدول الأعضاء ويصدر المجلس المبادئ التوجيهية للسياسة العامة التي يعمل بها مجلس المحافظين، الذي يتولى بدوره الإشراف على جميع العمليات التي يقوم بها الصندوق.
كما يعين المجلس المدير العام، الذي يعد المسؤول التنفيذي وممثل الصندوق القانوني، ويشغل هذا المنصب حالياً مواطن سعودي هو الأستاذ سليمان الجاسر الحربش.
ويعد الأستاذ سليمان الحربش أحد أبرز الخبراء الراسخين علماً وتجربة في مجال اقتصاديات صناعة النفط والغاز وأوضاعها الدولية. عمل في وزارة البترول والثروة المعدنية لمدة تزيد على 30 عاماً تدرج خلالها في مناصب متعددة ثم أصبح ممثلا للسعودية في مجلس محافظي منظمة الأقطار المصدرة للبترول (أوبك) سنين عدداً، وتقديراً لمؤهلاته العلمية والعملية وخصاله الحميدة وإخلاصه لوطنه، فقد وافق ولاة الأمر على ترشيحه عام 1999 لمنصب أمين عام منظمة (أوبك) خلفاً للدكتور رايلوانو لقمان (نيجيري الجنسية)، وحظي ترشيحه بتأييد وموافقة جميع الدول الأعضاء، إلا أن إيران قرنت موافقتها بشرطين، الأول أن يتبوأ المرشح السعودي المنصب لمدة ولاية واحدة فقط أي ثلاث سنوات غير قابلة للتجديد، والثاني أن يصدر في الوقت نفسه مؤتمر (أوبك) قراراً يتضمن الموافقة على تعيين مرشحها أميناً عاماً لمدة الولاية الثانية ولكن الدول الأعضاء لم تقبل بالشروط الإيرانية لأنها تتعارض مع دستور المنظمة، الأمر الذي أدى إلى تعذر تعيينه في ذلك المنصب الذي كان يستحق شغله. وفي عام 2003 تم تعيينه مديراً عاماً لصندوق أوبك للتنمية الدولية بناء على تشريح السعودية.
وقبل الختام لا بد من أن أذكر أن الأستاذ سليمان الحربش صديقي وقد زاملته في وزارة البترول والثروة المعدنية بضع سنين، وإنني أكن له محبة شخصية إضافة إلى الإعجاب بثقافته الواسعة وكفايته وقدراته المهنية العالية. والمقال الذي نشره بعنوان (المملكة وسياسة الطاقة الأمريكية) في جريدة «الاقتصادية» بتاريخ 7/11/1430هـ الموافق 26/10/2009، هو أحد النماذج الدالة على أسلوبه الجميل في التعبير وقدرته ومهارته في رصد الوقائع وتحليلها تحليلاً موضوعياً واستخلاص النتائج وتقديم التوصيات.
وفي الختام أقول: إنني كمواطن سعودي أشعر بالفخر والاعتزاز بأن مواطناً سعودياً أثبت جدارة وحقق نجاحاً في إدارة منظمة دولية اقتصادية، فتحية خالصة للصديق سليمان الحربش في مناسبة تكريمه من لدن ملك المغرب، سائلا الله تعالى أن يمده دائما بالتوفيق والسداد.