في الإدارة عليك أن تصنع التعليمات لا أن تتبعها!

في الأسبوع الماضي كنت أقرأ كتاباً عن الإدارة، وفي الكتاب ذكر المؤلف أنه يمكن تقسيم العمل إلى نوعين (لا ثالث لهما): فإما أن يكون عملك متركزا على اتباع تعليمات وأساليب وإجراءات قائمة ومحددة مسبقاً ما يعني أنه عمل ميكانيكي أو روتيني بالشكل الأكبر، أو أن ينصب عملك على صياغة تعليمات وأساليب وإجراءات جديدة. وبانتشار الاقتصاد المعرفي أصبح التركيز الأكبر على النوع الثاني كالوسيلة المثلى لتحقيق ميزة نسبية، حيث أصبحت معظم الشركات تُركز جهودها الداخلية على تصميم التعليمات والأساليب والإجراءات المتعلقة بعملها، (التي تتطلب قدراً من المعرفة والإبداع)، ومن ثم تعهد بتنفيذ هذه التعليمات لجهات أخرى أكثر تخصصاً وأقل تكلفة (وفي كثير من الأحيان في دُول أخرى) فشركات الإلكترونيات اليابانية أصبحت تصب جهودها على تصميم الأجهزة الجديدة وإعداد تعليمات تصنيعها، ولكنها تعهد بالتصنيع ذاته لشركات في الصين تقوم بالعمل بتكلفة أقل. والأمر ذاته يتكرر بالنسبة لشركات البرامج الأمريكية، وغيرها. بل إن عديدا من الشركات لم تعد تملك مصانع خاصة بها، إذ تعتمد على الغير في تصنيع منتجاتها.
وقد استهواني رأي الكاتب، فحاولت تطبيق المفهوم نفسه على الشركات السعودية ونظيراتها من المنطقة، فوجدت الآية مقلوبة على رأسها، إذ وجدت أن معظم الشركات سعيدة باتباع أي تعليمات قائمة، ولكنها لا تود أن تصنع أو تبتكر أي تعليمات جديدة بنفسها بل إنها وعلى العكس من نظيراتها حول العالم تقوم بالاستناد إلى مقاولين خارجيين متى ما تطلب الأمر صياغة تعليمات جديدة، بدلاً من الاعتماد على مقاولين للقيام بالأعمال الروتينية والتركيز على صياغة التعليمات الجديدة ذات القيمة المضافة العالية.
فكثيراً ما نرى شركات تسعد بالاستمرار في استراتيجية مرسومة مسبقاً ولكن لا يمكنها إعادة النظر في استراتيجيتها أو صياغة استراتيجية جديدة بمفردها إلا بالاعتماد على شركة استشارية متخصصة (بالرغم من أن صياغة الاستراتيجية من صميم عمل الشركة والمديرين التنفيذيين فيها)، وكثيراً ما نرى مدير العمليات الذي يسهل عليه تطبيق إجراءات العمل القائمة، ولكنه يتردد في أن يغير فيها قيد شبر دون الاستعانة بمكتب استشاري.
ونظراً لتركيز الشركات ومديريها على تطبيق التعليمات القائمة بدلاً من التركيز على صياغة التعليمات الجديدة، فقد وجدنا التهافت المتزايد على المكاتب والشركات الاستشارية التي أصبحت تقوم بهذا الدور نيابة عن مديري الشركات والتنفيذيين فيها، بدءاً من صياغة استراتيجية الشركة العامة إلى استراتيجيتها التسويقية إلى الإجراءات المالية وإجراءات الموارد البشرية فيها، والمديرين التفيذيون في الشركة يكتفون بتلقي هذه التعليمات وتطبيقها. وبالمقابل فإننا نرى ندرة من الشركات المحلية تركز على إسناد الأعمال الروتينية فيها إلى مقاول خارجي (قد يكون خارج البلد) لتبسيط الإدارة ولتخفيض التكلفة.
في ضوء ما سبق، فإني أوصي بالتالي:
متى ما أمكن، حاول أن تركز عملك على ابتكار أساليب وإجراءات جديدة، وليس فقط على اتباع التعليمات القائمة. وإن كانت وظيفتك الحالية مبنية على اتباع التعليمات القائمة فقط، فثق أن اقتصارك على ذلك سيحد من مستقبك الوظيفي ومن نجاح شركتك.
حاول أن تقسم أي عمل تقوم به إلى الشق المتعلق بصياغة التعليمات والأساليب، والشق المتعلق بتطبيقها. وحاول أن تركز مجهودك على شق صياغة التعليمات (خصوصاً تلك التعليمات والأساليب ذات العلاقة الوطيدة بعملك، التي تشكل الميزة النسبية فيه (وهي تختلف من عمل لآخر).
لا تعتمد على مستشارين خارجيين لصياغة التعليمات والإجراءات الخاصة بعملك، خصوصاً في الجوانب التي ترى أنها مصدر ميزة نسبية لعملك. وذلك كما يقول المثل: «ما يحك جلدك مثل ظفرك».
بالمقابل، حاول أن تبحث عن الأجزاء الروتينية من عملك والمبنية على تعليمات قائمة، ومن ثم ابحث عن طرق لإسناد هذه الأعمال لجهات أخرى أكثر تخصصاً وأقل تكلفة. فالكثير من الشركات (وخصوصاً الشركات الصغيرة) نجحت في إسناد نشاط شؤون الموظفين والشؤون الإدارية والإدارة المالية إلى شركات متخصصة أقل تكلفة. ولكن احرص أن لا يكون العمل الذي تسنده هو مصدر ميزتك النسبية.
أخيراً، إذا وجدت أن عملك أكثر تعقيداً ويتطلب تفكيراً أكثر من أعمل الآخرين النظيرة، فلا تخف، فقد يعني ذلك أنك تركز في عملك على صياغة تعليمات جديدة بينما يركز نظرائك على اتباع التعليمات والأساليب القائمة فحسب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي