علاقة الباراسيتامول بالتوحد تصيب شركات الأدوية الأمريكية بالصداع
علاقة الباراسيتامول بالتوحد تصيب شركات الأدوية الأمريكية بالصداع
تعتزم إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب اليوم، الإعلان عن العلاقة بين استخدام عقار "تايلينول" (الاسم التجاري للباراسيتامول/أسيتامينوفين) أثناء الحمل ومخاطر إصابة الأطفال بالتوحد، وفقًا لأربعة أشخاص مطلعين تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم لأن الإعلان لم يُعلن بعد.
الإعلان المرتقب يعزز الجدل الدائر في القطاع الطبي ويحيط شركات الأدوية بحالة من عدم اليقين إذ سجل سهم شركة "كينفيو" المالكة لعلامة "تايلينول" تقلبات حادة منذ مطلع الشهر الجاري بتراجع 15%، ما يعكس تأثر مستثمري سوق العقاقير بالأخبار المتعلقة بالسلامة.
ووفقا لـ"واشنطن بوست"، سيروج المسؤولون في البيت الأبيض لدواء ليوكوفورين كعلاج محتمل للتوحد، إذ وصفه الرئيس دونالد ترمب بأنه إعلان "بالغ الأهمية".
المصادر المطلعة أفادت لصحيفة "وول ستريت جورنال" أن تقرير وزارة الصحة والخدمات الإنسانية، المتوقع، سيشير إلى "انخفاض مستويات حمض الفوليك والأسيتامينوفين أثناء الحمل" كأسباب محتملة للتوحد. وسلطت المصادر الضوء أيضًا على حمض الفولينيك، المعروف باسم ليوكوفورين، كعلاج محتمل لتخفيف أعراض التوحد لدى بعض المرضى.
الباراسيتامول أحد أكثر المسكنات استخدامًا في العالم
رغم أن "الباراسيتامول/أسيتامينوفين" يُعدّ أحد أكثر المسكنات استخدامًا في العالم ويُصرف دون وصفة طبية، فإن هذه الخطوة تثير جدلًا واسعًا في الأوساط الطبية والسياسية على حد سواء. شركة كينفو، المُصنّعة لدواء تايلينول، نفت بشكل قاطع وجود أي علاقة مثبتة بين الدواء والتوحد، مؤكدة أن جميع الدراسات حتى الآن تعتبره آمنًا عند استخدامه وفق الإرشادات الطبية.
تؤكد مؤسسات طبية بارزة، مثل الكلية الأمريكية لأطباء النساء والتوليد أن استخدام "تايلينول" بجرعات معتدلة لا يزال يعتبر آمناً للحامل. تحذر هذه المؤسسات من أن الامتناع عن علاج الحمى أو الألم قد يعرّض الأم والجنين لمخاطر أكبر. ولفتت المؤسسات أيضًا إلى أن إدارة الغذاء والدواء الأميركية لم تغير توصياتها حتى الآن بشأن الدواء.
دوافع سياسية وإشارات سابقة
الخطوة المرتقبة ليست بمعزل عن المناخ السياسي الراهن في واشنطن. فقد ألمح ترمب إلى الموضوع خلال كلمة ألقاها في حفل تأبين الناشط المحافظ تشارلي كيرك، حيث قال: "أعتقد أننا وجدنا حلًا لمرض التوحد"، في إشارة فسّرها مراقبون على أنها تهيئة للرأي العام قبل الإعلان الرسمي. وفي تصريح لاحق، وصف الإعلان بأنه "أحد أهم الأمور التي سنتخذها".
كما أشارت تقارير إعلامية، من بينها صحيفة وول ستريت جورنال، إلى أن وزير الصحة روبرت إف. كينيدي الابن كان قد أبدى اهتمامًا خاصًا بالبحث في الصلة المحتملة بين تايلينول أثناء الحمل والتوحد، وهو ما ينسجم مع مواقفه المثيرة للجدل حول اللقاحات والصحة العامة.
البعد الطبي والبحثي
الإرشادات الطبية الحالية، بما في ذلك توصيات جمعيات أطباء النساء والولادة في الولايات المتحدة، ما زالت تؤكد أن الأسيتامينوفين يعد الخيار الأكثر أمانا لتخفيف الألم والحمى لدى النساء الحوامل مقارنةً بمسكنات أخرى مثل الإيبوبروفين أو الأسبرين، التي تحمل مخاطر مثبتة على الحمل.
مع ذلك، هناك أبحاث محدودة أشارت في السنوات الأخيرة إلى وجود علاقة إحصائية محتملة بين الاستخدام المكثف للدواء أثناء الحمل وارتفاع خطر بعض الاضطرابات النمائية العصبية. لكن هذه الأبحاث غالبًا ما وُجهت إليها انتقادات لعدم قدرتها على إثبات علاقة سببية مباشرة.
ردود فعل طبية وعلمية عالمية
ردود الفعل الأولية من الأوساط الطبية العالمية جاءت متحفظة. منظمة الصحة العالمية (WHO) أكدت في بيانات سابقة أن الباراسيتامول لا يزال يُعتبر الخيار الأول لتسكين الألم وخفض الحرارة لدى الحوامل، محذّرة من أي تغييرات مفاجئة في الإرشادات الطبية دون أدلة دامغة.
أما الكلية الملكية لأطباء النساء والتوليد في بريطانيا (RCOG) فشددت على أن معظم الدراسات المتوفرة حتى الآن لا تثبت علاقة سببية بين الدواء والتوحد، وأن التوصيات الحالية باستخدامه بجرعات معتدلة ما زالت قائمة.
من جانب آخر، دعا باحثون في الاتحاد الأوروبي إلى توخي الحذر، مطالبين بتمويل دراسات طويلة الأمد لتقييم سلامة الاستخدام المتكرر للباراسيتامول أثناء الحمل، خصوصًا في ضوء الارتفاع الملموس في معدلات تشخيص التوحد عالميًا.
وبينما يطالب بعض العلماء بضرورة استكشاف أي إشارات علمية جديدة بجدية، يحذر آخرون من أن تضخيم النتائج غير المؤكدة قد يؤدي إلى ذعر صحي غير مبرر بين النساء الحوامل، ويؤدي إلى عزوفهن عن استخدام دواء يُعتبر في كثير من الحالات الخيار الوحيد الآمن.