هل تفقد الصين مكانتها كأكبر وجهة للاستثمارات الأجنبية المباشرة؟
هل تفقد الصين مكانتها كأكبر وجهة للاستثمارات الأجنبية المباشرة؟
تعد الاستثمارات الأجنبية المباشرة ركيزة أساسية في آلية نهوض الاقتصاد الصيني حاليا، مع وصول حجم إسهام الشركات ذات التمويل الأجنبي في التجارة الخارجية للصين إلى الثلث.
بينما تستحوذ هذه الشركات على نحو 25% من الناتج الصناعي ذي القيمة المضافة، وتقدم سُبع العائدات الضريبية، فقد وفّرت خلال السنوات الخمس الماضية أكثر من 30 مليون فرصة عمل.
وفقا للخطة الخمسية الرابعة عشرة، الممتدة من عام 2021 إلى العام الجاري، كان مستهدف بكين جذب 700 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية.
غير أن البيانات الرسمية الصادرة في يونيو الماضي تظهر تجاوز هذا المستهدف قبل الموعد، حيث بلغ حجم التدفقات أكثر من 708 مليارات دولار، بالتوازي مع تحسن ملموس في حجم هذه الاستثمارات ونوعيتها.
لكن هذه النجاحات أصبحت موضع نقاش. فبينما يرى خبراء أن حزمة إجراءات حديثة تضمنت تقديم حوافز مالية وضريبية للشركات الأجنبية التي تعيد استثمار أرباحها في الصين تعكس قلقا صينيا من احتمال تراجع الاستثمارات في السنوات المقبلة، يعتبرها آخرون جزءا من إستراتيجية أشمل تهدف إلى ضمان استقرار تدفق رأس المال الأجنبي وتعزيز الثقة بالسوق.
توترات ومنافسون أكثر نشاطا
تعتقد الدكتورة أشلي رايت، أستاذة الاقتصاد الدولي، أن الصين ستبقى قادرة على جذب الاستثمارات الأجنبية.
وقالت لـ"الاقتصادية": "إن المخاطر الحقيقية لا تتعلق بضعف الجاذبية الاقتصادية، بل بالخلافات الجيوسياسية مع الولايات المتحدة. فقد نجحت بكين في تطوير بنية تحتية متقدمة، وأقرت منظومة قانونية وحوافز ضريبية رفعت معدل العائد على الاستثمار الأجنبي المباشر إلى نحو 9%، وهو من بين الأعلى عالميا".
هذه العوامل، ومن وجهة نظر رايت، تجعل الصين مؤهلة لاستقطاب ما يقارب 1.1 تريليون دولار إضافية خلال السنوات الخمس المقبلة.
لكن على الجانب الآخر، يرى خبير الاستثمار جيمس أوبراين أن المسألة لا تتعلق فقط بالتوترات الصينية – الأمريكية "بل بظهور منافسين أكثر ديناميكية مثل فيتنام، وإندونيسيا، والهند، وكوريا الجنوبية وتايلاند وماليزيا".
وقال لـ "الاقتصادية": "هذه الدول توفر بنية تحتية متطورة، وقوة عاملة ماهرة، وتكاليف أقل من نظيرتها الصينية، إضافة إلى قطاعات اقتصادية متعطشة لرؤوس الأموال الأجنبية".
يستند أوبراين إلى تراجع قيمة الاستثمار الأجنبي المباشر المستخدم فعليا في الصين بنسبة 15.2% على أساس سنوي خلال الفترة من يناير إلى يونيو الماضي. بيد أن هذا التراجع يأتي في سياق هبوط عالمي عام في الاستثمارات.
بلغ إجمالي الاستثمار الأجنبي المستخدم في الصين في النصف الأول من هذا العام نحو 59 مليار دولار، وهو رقم يظل مرتفعا نسبيا، ويجعل الحديث عن هروب استثمارات من الصين أقرب إلى المبالغة.
كما ارتفع عدد الشركات الأجنبية الجديدة التي استثمرت في الصين خلال النصف الأول من العام بنسبة تقارب 12% إلى أكثر من 30 ألف شركة، يتركز معظمها في الصناعات عالية التقنية مثل الذكاء الاصطناعي، التجارة الإلكترونية، والتصنيع المتقدم.
الصين ما زالت تمتلك مميزات نسبية
أن. دي. ويبستر، الاستشاري السابق في البنك الدولي، قال بدوره لـ"الاقتصادية": "ربما يتقلص حجم التدفقات الاستثمارية نحو الصين مستقبلا، لكنه سيصبح أكثر تركيزا في قطاعات محددة تمتلك فيها الصين ميزات نسبية".
ارتفعت حصة الاستثمارات الأجنبية الموجهة لقطاع التكنولوجيا الفائقة في الصين إلى 37% في عام 2023 مقارنة بأكثر من 28% في 2019، بحسب ويبستر.
وفي النصف الأول من العام الجاري وحده، قفز الاستثمار الأجنبي في خدمات التجارة الإلكترونية بنسبة 130%، وفقا للاستشاري السابق في البنك الدولي.
تتأكد قناعة الصين بهذا المسار بعد أن باتت تمنح الأولوية للاستثمارات الأجنبية في قطاعات بعينها، وعلى رأسها التكنولوجيا الفائقة والتصنيع المتطور.
إدراك بكين كذلك لأهمية الهيدروجين والطاقة النظيفة في مستقبلها الاقتصادي يجعلها أكثر تصميما على جذب رؤوس الأموال في المجالين.
مع ذلك، تبقى العوامل الجيوسياسية والاضطرابات في الأسواق العالمية عوامل حاسمة في تحديد ما إذا كانت الصين ستنجح في الحفاظ على مكانتها كبؤرة جاذبة للاستثمار الأجنبي المباشر، أم ستتراجع أمام صعود منافسيها الإقليميين؟