قطاع مالي ناجح
في الأسبوع الماضي كتبت عن قطاعات اقتصادية ومالية وتنظيمية تقف فيها هيئة السوق المالية وما تكرر عليها من لوم بسبب انخفاض مؤشر تداول بعضه موضوعي، وبعضه الآخر متوقع لأن الناس تتفاعل مع ما ترى أنه الجهة ذات العلاقة المباشرة دون النظر في ما وراء الستار.
سوق الأسهم أحد مجالات السوق المالية وربما من أهمها ولكن هناك مجالات أخرى في السوق حققت نجاحات مهمة، خاصة عند تزاوج تقنية المعلومات الاتصالات والخدمات المالية والاستثمارية.
ليس من المبالغة تصنيف العصر الحديث بأنه "مالي" خاصة منذ التوسع في المجال المالي الأمريكي على إثر كسر العلاقة بين الدولار والذهب في 1971، وبالتالي التوسع في الدين والإنفاق العام وبالتالي الخدمات المالية بسبب التوسع النقدي، ربما هناك صدفة تاريخية حيث أيضا في العام نفسه تم اختراع شركة إنتل للمعالج الذي قاد لصناعة الحاسب الآلي الشخصي، ثم جاءت الشبكة العنكبوتية في نهاية التسعينيات لتأخذ العالم إلى مستوى جديد من التزاوج التقني المالي من خلال تقلص تكاليف الخدمات المالية من ناحية ووصولها للجميع في كل مكان وكل وقت من ناحية أخرى.
ربما أيضا من المصادفات العجيبة أن التطور المالي أيضا في السعودية أخذ بنقطة انعطاف مهمة في الحجم والتطور بسبب أن دخل النفط وصل إلى مدار أعلى على إثر اجتماع دول الأوبك أيضا في 1971 في طهران. حيث حقق ارتفاع النفط المؤثر تحولا ماليا واقتصاديا بداية بما سمي لاحقا بالطفرة المالية بسبب ارتفاع الإنفاق العام واستفادة الأغلبية العظمى وبالتالي توسع في الخدمات المالية.
تلا ذلك تطور القطاع المصرفي والتوسع في الخطط الاقتصادية. اليوم يشهد القطاع المالي ثمرة النمو العضوي وتطور البنك المركزي وتراكم النجاحات في إدارة النظام المالي والاقتصادي السعودي. بدأ تفاعل القطاع الخاص بتأسيس عديد من شركات التمويل وبعض شركات البنوك الاستثمارية في محاولة لفصل نشاطات البنوك الاستثمارية عن البنوك التجارية وبالتالي منافسة مع البنوك الاستثمارية المستقلة التي عادة ما اهتمت بإدارة المحافظ وأحيانا الوساطة والمشورة. تخلل التجربة أيضا الصعوبات التي لاقتها وربما لا تزال تواجه قطاع التأمين الأكثر تعقيدا بسبب الصعوبات المعروفة عن إدارة شركاته خاصة في سوق جديدة على تنظيم كلي لشركات أغلبها صغيرة في ظل عدم توافر الكوادر البشرية المؤهلة. بعد تجربة طويلة وبعد خروج بعضهم وعمليات دمج يبدو أن القطاع بدا يتعافى وبعض الشركات تحقق ربحية مقبولة. أغلب التطورات الآنفة الذكر ربما في سياق منحنى التطور المتوقع ولكن النمو الجديد الملفت فعلا في التطور التقنية المالية على أكثر من صعيد.
فمثلا بعكس التأمين الذي تصور بعض المستثمرين دون معرفة أنه سهل ولذلك لم ينجحوا. تميزت التقنية المالية بخصال عدة .
أولا ربما أهم ناحية موضوعية في تقديم الخدمات المالية مباشرة للعميل من خلال تطبيق سهل.
ثانيا، التقنية المالية جذبت سعوديين أغلبهم متخصصين وأحيانا أكاديميين على درجة عالية من المعرفة والكفاءة.
الثالث، أن الجهات الرقابية أصبحت أكثر انفتاحا على التطور.
الرابع، مستوى التنوع والمنافسة بينهم عال وبالتالي محاولة التخصص في نواحي من الخدمات المالية والاستثمارية فمثلا هناك دينار وصكوك وعوائد ودراهم وودائع وتمارة وملاءة.
خامسا هناك تقاطعات وتطابقات كثيرة بين المؤسسات التقليدية والجديدة، لذلك رأينا بعض المصارف مثل الأهلي والراجحي يستحوذ جزئيا على ملاءة ودراهم على التوالي.
سادسا، حجم ومرونة هذه الشركات تساعد على حيوية القطاع المالي عموما بمنافسة المصارف التقليدية فمثلا ارتفاع الفائدة على الودائع للعميل الصغير وتوفر التمويل لشركات ناشئة صغيرة ومتوسطة وقنوات استثمارية للعامة.
ونلاحظ من النقاط الستة التي ذكرتها كيف لخصنا مميزات وخصال التقنية المالية في ظل أهميتها في قطاع المال والأعمال.
مستشار اقتصادي