هل حل شتاء الذكاء الاصطناعي؟
إطلاق باهت لـ"تشات جي بي تي 5" يثير الشكوك حول وعود الذكاء الاصطناعي
تراجع سهم "كور ويف" بأكثر من 25% يظهر مخاوف المستثمرين من تكاليف الذكاء الاصطناعي الضخمة
استطلاع "ماكينزي": كثير من الشركات التي تطبق الذكاء الاصطناعي في أعمالها لم يعد عليها بزيادة في الأرباح
كتبتُ في بداية العام أن على مستثمري وول ستريت الاستعداد لـ"شتاء الذكاء الاصطناعي" خلال 2025؛ ليس بالضرورة تباطؤاً في الاستثمار، وبالتأكيد ليس في الضجيج الإعلامي الصادر عن الشركات، بل في التقدم الملموس. سيتم اختبار صبرنا. بعض الأحداث الأخيرة تستدعي منا إعادة طرح السؤال: هل حلَّ شتاء الذكاء الاصطناعي؟
في وقت سابق من هذا الشهر، أطلقت "أوبن إيه آي" التابعة لسام ألتمان النموذج الجديد الذي طال انتظاره، "تشات جي بي تي-5" (GPT-5)، وسط استقبال فاتر. إذا كانت تلك الخطوة نحو الذكاء الاصطناعي العام، كما كررت الشركة كثيراً، فإنها تُعد خطوة صغيرة بالفعل. لم يُستقبل النموذج على نحو جيد من قِبل بعض المؤيدين لـ"تشات جي بي تي"، ما اضطر الشركة إلى التراجع بشكل مُحرج، وإعادة إتاحة النماذج القديمة. سرعان ما أصبح ادعاء ألتمان بأن "تشات جي بي تي-5" أشبه بالتحدث إلى خبير "بدرجة دكتوراه" مُجرد مزحة.
في الوقت نفسه، تراجعت أسهم شركة "كور ويف "(CoreWeave Inc)، إحدى الشركات القليلة المتخصصة في الذكاء الاصطناعي، بأكثر من 25% الأسبوع الماضي بعد توجيهات مالية أثارت قلق المستثمرين: من المتوقع أن يكون نمو الإيرادات أبطأ بشكل كبير من نمو النفقات الرأسمالية. (وكانت فترة حظر الطرح العام الأولي على وشك الانتهاء، وهو ما كان له تأثيره أيضاً في تراجع السهم).
ورغم صعوبة تحديد مدى فائدة الذكاء الاصطناعي، أو ما سيُحققه، في عالم الأعمال، إلا أن دراسة أجرتها "ماكينزي آند كومبني" (McKinsey & Company) ينبغي أن يتوقف عندها الجميع. ففي حين قال 8 من أصل 10 شركات شملها الاستطلاع أنها تطبق الذكاء الاصطناعي التوليدي في أعمالها، لاحظت شركة الاستشارات أن كثيرا منها قال: "لم يكن هناك أي تأثير يُذكر في صافي الربح".
صدمة النموذج الجديد
أثار رد الفعل تجاه "تشات جي بي تي-5" على وجه الخصوص احتفال المتشككين سابقاً في الذكاء الاصطناعي. وقد ابتهج أحد أبرزهم، العالم غاري ماركوس، بالتوبيخ الواضح الذي تلقاه "تشات جي بي تي-5". وكتب إلى جانب قائمة طويلة من المهام التي تبدو تافهة والتي فشل النموذج الجديد في تنفيذها على نحو مقبول: "كان من المفترض أن تكون سمعة ألتمان قد احترقت تماماً الآن". وأشار الكاتب الصحفي برايان ميرشانت إلى أن ألتمان بدا أقل استعداداً لاستخدام عبارة "الذكاء الاصطناعي العام" الآن بعد أن أصبح أحدث نماذجه للذكاء الاصطناعي ليس بتلك الكفاءة العالية. وقال ألتمان لشبكة "سي إن بي سي": "أعتقد أنه ليس مصطلحاً مفيداً للغاية". قال ميرشانت إنه مصطلح استخدمه ألتمان كثيراً، بما في ذلك في فبراير على مدونته الشخصية. وقد كان حينها مفيداً في جمع مليارات الدولارات.
سبق لألتمان بعض التصريحات الأخرى اللافتة خلال الأيام القليلة الماضية. "هل نحن في مرحلة يُفرط فيها المستثمرون في حماسهم للذكاء الاصطناعي أكثر من اللازم؟ رأيي هو نعم"، هذا ما قاله لمجموعة من الصحفيين الأسبوع الماضي. وكان له تعليق آخر: "توقّع أن تُنفق (أوبن إيه آي) تريليونات الدولارات". وكان تعليقي المفضل، من مقابلته مع قناة "سي إم بي سي" قبل أسبوع: "من الجيد أننا لسنا شركة مدرجة".
أراهن على ذلك! طوال هذا الوقت، كنت أتساءل كيف كان سيتفاعل المستثمرون مع "تشات جي بي تي-5" لو كانت "أوبن إيه آي" شركة مدرجة. أعتقد، على أقل تقدير، أن الشركة كانت ستواجه أسبوعاً مشابهاً لأسبوع "كور ويف" عندما كان المستثمرون يفكرون في غضب المستخدمين، والتراجع نوعاً ما عن الذكاء الاصطناعي الخارق، والتنبؤ بالحاجة إلى تريليونات الدولارات الإضافية. (قال ألتمان إنه واثق من قدرة الشركة على ابتكار "نوع جديد من الأدوات المالية للتمويل والحوسبة" لتمويل توسعها الصناعي السريع. أعتقد أننا نعرف الآن كتاباً واحداً على الأقل في بيانات تدريب "تشات جي بي تي-5").
رأي معتدل
من ناحية أخرى، لم تمتد التداعيات إلى أسهم أخرى مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بشركة "أوبن إيه آي"، مثل "مايكروسوفت" و"إنفيديا". يشير هذا إلى أن قلق المستثمرين لم يتزعزع كثيراً، ويمكن أن يُعزى ذلك إلى تحليلات أكثر اعتدالاً. أحد التبريرات هي أن الإخفاقات المحرجة، مثل عدم القدرة على تهجئة كلمة "blueberry"، هي مجرد أخطاء تافهة تغفل الصورة الأكبر: فـ"تشات جي بي تي-5" أكثر تطوراً في اختيار النموذج المناسب للمهمة، والذي، وإن بدا عادياً، فهو عملي ومفيد على أرض الواقع. رأي آخر هو أن القدرات قد تحسنت بما يكفي بحيث أصبحت أدوات الذكاء الاصطناعي الرائدة القادرة على تنفيذ مهام معينة في متناول اليد - وسيبدأ عائد الاستثمار في الظهور.
أو قد لا يحدث ذلك، وسيُنظر إلى هذا الشهر على أنه بداية لشيء مهم. لا أعتقد أنه يمكننا تسميته شتاء الذكاء الاصطناعي بعد - ولكن لا شك في أن البرودة المفاجئة في الأجواء قد بدأت.
ما استخلصته من إطلاق "تشات جي بي تي-5"، أنه بينما تستطيع شركات الذكاء الاصطناعي التباهي بالأداء العام على مختلف المعايير، إلا أن هذه المعايير أصبحت أقل أهمية بشكل متزايد. هذه النتائج، التي يصعب على أي شخص سوى باحثي الذكاء الاصطناعي فهمها، لا تعني كثيرا للمستخدم النهائي، سواءً كان المستهلك أو الرئيس التنفيذي.
ما يُحدد السردية حول تقدم أو عدم اكتمال الذكاء الاصطناعي هو التطبيق العملي، وهنا لا تزال جميع شركات الذكاء الاصطناعي تعاني قصورا. كان "جي بي تي-3.5" موجوداً لأشهر، حتى ظهر "تشات جي بي تي" الذي أبهر العالم- حتى اكتشفنا جميعاً عيوبه العديدة، ليس عبر التجارب المعملية لملايين الطلبات، بل من خلال أعيننا. قد تكون الكيانات البرمجية المستقلة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي (AI agents) هي المرحلة التالية لـ"تشات جي بي تي" إذا كان أداؤها فعّالاً. لنسمِّه "معيار التوت" (Blueberry Benchmark) الذي يقيس مدى تحقيقه للفائدة العملية. هناك حاجة ماسة إلى نتائج أفضل، وإلا فقد يواجه المستثمرون فترة شديدة البرودة.
كاتب عمود في بلومبرغ أوبينيون متخصص في قطاع التكنولوجيا الأمريكي مراسلًا لصحيفة فايننشيال تايمز وبي بي سي نيوز في سان فرانسيسكو سابقا
خاص بـ"بلومبرغ"