ريادة الأعمال والطموح... قوة اقتصادية

في ظل التحولات الاقتصادية والتكنولوجية المتسارعة، أصبحت ريادة الأعمال والطموح من الركائز الأساسية لبناء اقتصادات مرنة ومستدامة ولم تعد ريادة الأعمال تقتصر على إنشاء مشاريع صغيرة، بل أصبحت قوة دافعة للابتكار، وتوفير الوظائف، وتحفيز النمو الاقتصادي العالمي.
تشير بيانات منظمة العمل الدولية إلى أن ريادة الأعمال تسهم بنسبة تصل إلى 60% من إجمالي الوظائف الجديدة في الأسواق الناشئة، وتؤدي دوراً جوهرياً في تقليل معدلات البطالة. فعلى سبيل المثال في الولايات المتحدة وحدها، توظف الشركات الناشئة نحو 30% من القوى العاملة وتضيف أكثر من 3 ملايين وظيفة سنويًا، وهذا النمو المتسارع في ريادة الأعمال يعود بشكل كبير إلى التغيرات التكنولوجية التي أتاحتها الثورة الرقمية، والتي وفرت منصات جديدة للتواصل والتجارة والابتكار، حيث أصبحنا اليوم نرى كثيرا من القطاعات التقنية الرقمية مثل التكنولوجيا المالية، الذكاء الاصطناعي، والتجارة الإلكترونية، من أبرز الميادين التي يستثمر فيها كثير من رواد الأعمال الشباب طموحاتهم، ما يوجد فرصًا غير مسبوقة للتوسع على المستوى المحلي والدولي، على سبيل المثال، شركة "Stripe" التي بدأت كمشروع ناشئ في مجال الدفع الإلكتروني، أصبحت الآن من أكبر الشركات التقنية في العالم، حيث تجاوزت قيمتها السوقية 95 مليار دولار أمريكي، ما يظهر قوة الطموح الريادي وأثره في إيجاد قصص نجاح عالمية.
الطموح هو المحرك الداخلي الذي يدفع الجميع لتحدي الصعوبات، والبحث عن حلول مبتكرة، والمثابرة حتى يتم تحقيق أهدافهم. وهو الذي يحول الفكرة إلى مشروع، والتحدي إلى فرصة. ويرتبط الطموح ارتباطًا وثيقًا بريادة الأعمال، حيث لا يمكن لأحد أن يبدأ مشروعًا ناجحاً دون رؤية واضحة ورغبة صادقة في تحقيق النجاح المنشود.
يشهد قطاع ريادة الأعمال نمواً متسارعاً وخصوصاً في منطقة الشرق الأوسط حيث تشير بعض التقارير الدولية مثل ماجنت لعام 2025، إلى أن استثمارات رأس المال الجريء تجاوزت 4.1 مليار دولار أمريكي، مسجلة زيادة بـ28% مقارنة بالعام السابق، وهذا يظهر تزايد ثقة المستثمرين في فرص النمو والابتكار بالمنطقة وتتصدر السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة قائمة الدول التي تستقطب معظم هذه الاستثمارات وخاصة في مجال التقنيات الخضراء والصحة الرقمية وغيرها، ما أسهم ذلك في نشوء عدد متزايد من الشركات الناشئة التي تجذب اهتمام المستثمرين العالميين.
في السعودية، أصبحت ريادة الأعمال حجر الزاوية في تحقيق أهداف رؤية 2030 التي تسعى إلى تنويع الاقتصاد، وتقليل الاعتماد على النفط، وتوفير فرص عمل للشباب، وتوضح البيانات الرسمية الصادرة عن الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة زيادة 40% في عدد الشركات الناشئة خلال السنوات الخمس الماضية، بفضل البرامج والمبادرات المتنوعة، والقروض الميسرة التي يقدمها بنك التنمية الاجتماعية وغيرها من التسهيلات الإدارية والقانونية لتأسيس المشاريع.
وأرى أن مستقبل ريادة الأعمال يتجه نحو مزيد من النمو والتطور، مدعومًا بالتقنيات الحديثة والرؤى الوطنية الطموحة حيث باتت ريادة الأعمال والإبداع العلمي يشكلان محوراً إستراتيجياً لتنويع الاقتصاد وتحقيق التنمية المستدامة، وأن الاستثمار في العقول المبدعة ودعم الطموح لدى الشباب لن يكون مجرد خيار، بل ضرورة لبناء قوة اقتصادية ومستقبل مستدام.

أستاذ وباحث في الهندسة والأنظمة الابتكارية

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي