أين محرك أوروبا الاقتصادي الإبداعي؟

يعتبر الأوروبيون بـ "بطء" حراكهم في ميدان البحث والابتكار، الدول الكبرى الأخرى تتقدم، ليس فقط عبر طرح المبادرات ذات الصلة، بل أيضاً بحجم الإنفاق في ساحة، باتت منذ سنوات عديدة تمثل الوجهة التي لا بد منها للاقتصاد العالمي كله. هل تقاعست أوروبا في الإنفاق؟ نعم، ويعود ذلك إلى الاضطرابات الاقتصادية التي شهدها الاتحاد الأوروبي، منذ الأزمة الاقتصادية العالمية التي انفجرت في 2008، التي تلتها مشكلات خطيرة أصابت عدداً من اقتصادات الكتلة، ما أدى إلى تدخل حاسم في إنفاذها، ولا سيما من جانب ألمانيا، فضلا عن "هزة" خروج بريطانيا من الاتحاد "بريسكت"، وتململ بعض الدول من كيفية توجه هذا الاتحاد. لم تتوقف بالطبع الجهود لدفع الإنفاق على الابتكار والبحث، لكنها لم تصل إلى المستوى الذي "يليق" بالمجموعة.

سيخصص الاتحاد الأوروبي ما نسبته 3%من الناتج المحلي الإجمالي في الميدان المشار إليه بحلول 2030، وكان قد رصد بالفعل ما قيمته 100 يورو لهذا الغرض ما بين 2021 و2027. لكن المهمة ليست سهلة، ولا سيما أن المشرعين الأوروبيين يسعون إلى مواكبة التقدم الكبير بهذا المجال في الولايات المتحدة والصين تحديداً. هذه الأخيرة، التي تحتل المركز الثاني بعد الولايات المتحدة (تخصص أمريكا 3.46% من ناتجها) من حيث الإنفاق، رصدت 500 مليار دولار في العام الماضي، بزيادة بلغت 8.3% على أساس سنوي، أي ما يعادل 2.68% من الناتج المحلي. ورغم ذلك، تتصدر كل من إسرائيل وكوريا الجنوبية قائمة الأكثر إنفاقاً من حيث النسبة للناتج المحلي فيهما.

التنافسية كبيرة أمام أوروبا. وفي السنوات الماضية، أظهر الاتحاد الأوروبي تراجعاً واضحاً في مخرجات الابتكار والتطوير، مقارنة ببقية البلدان الأكثر إنفاقاً. كما أنها تواجه، وباعتراف مسؤولين في المفوضية الأوروبية، تراجعاً في تمويل الأبحاث والابتكار في كل المجالات، من الصناعات الثقيلة التقليدية المعروفة، إلى الذكاء الاصطناعي وغير ذلك. بالطبع، هناك طرق لاستعادة ما يمكن وصفه بعضاً من الريادة في القارة العجوز، في مجال لا ينتظر أحد. وبالرغم من اتباع الأوروبيين اقتصاد السوق، فإن عليهم بناء علاقة قوية بين القطاعين العام والخاص، إلى جانب العمل السريع على تخفيف الأعباء الضريبية الثقيلة جداً، ولا سيما على الشركات الناشئة العاملة في المجال التكنولوجي، وفوق هذا وذاك، تقوية التعاون المباشر بين دول الاتحاد بهذا الميدان.

ستظل الفجوة كبيرة في الإنفاق على البحث والابتكار والتطوير، بين الأوروبيين والأمريكيين. فالتسهيلات على الساحة الأمريكية كبيرة ومتواصلة، حتى أن الحكومة تتحرك بالدعم المالي الفوري في قطاع تكنولوجي ما، إذا ما لزم الأمر، خصوصاً في ظل أطر تنظيمية ليست معقدة، بل وبسيطة. وإذا كانت الفجوة بين ضفتي المحيط الأطلسي قديمة وتتسع، إلا أنها في الحالة الأوروبية الصينية جديدة ويمكن القول إنها أكثر خطورة، ليس على الأوروبيين فحسب، بل حتى على الولايات المتحدة. أمام أوروبا فرصة الآن للعودة إلى مكانتها المرموقة في قطاع لا تتوقف فيه "ماكينات" الإنتاج الاقتصادي الإبداعي.

 

كاتب اقتصادي

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي