الشركات الصينية تتجاهل الرسوم الأمريكية وتراهن على السوق المحلية

الشركات الصينية تتجاهل الرسوم الأمريكية وتراهن على السوق المحلية

عندما استهدف الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الصين برسوم جمركية قياسية، لم تبد الشركات الصينية سوى اللامبالاة، ومنذ ذلك الحين، سعت الشركات الصينية لطمأنة المستثمرين، والترويج لقدرتها على التكيف مع مخاطر الرسوم، مستندة إلى تجاربها خلال ولاية ترمب الأولى، ومؤكدة أن أنشطتها ليست معرضة بشكل كبير للسوق الأمريكي.

وفقا لما قاله رئيس قسم الأبحاث في "إتش إس بي سي" ستيفن صن، فإن الإيرادات الخارجية لا تمثل سوى 10% من إيرادات الشركات المدرجة في بورصتي شنغهاي أو شينجن المعروفة باسم "الأسهم A"، وتقترب من 12% فقط لمؤشر "سي إس آي 300" القياسي الصيني، أما السوق الأمريكية لا تمثل سوى 2% من إيرادات شركات "سي إس آي 300".

تأثير محدود في الأرباح .. ومراهنة على البحث والتطوير

هذا يعني أن التأثير في أرباح الأسهم "A" محدود من الناحية الأساسية. وقال صن: "الصين أقل اعتماداً على أمريكا في صادراتها مقارنة بالسابق"، مشيرا إلى أن حصة أمريكا من صادرات الصين تراجعت من نحو 20% عام 2018 إلى 14% اليوم.

الشركات تسلط الضوء أيضا على تحولات في سلاسل التوريد، كما أنها تضاعف استثماراتها في البحث والتطوير لتعزيز النمو، وفقاً لتحليل أجرته وكالة "بلومبرغ" لسجلات الشركات وإفصاحاتها خلال شهري أبريل ومايو.

على سبيل المثال، قالت شركة "لوكسشير بريسيجن إندستري"، وهي مورد رئيسي لشركة "أبل"، للمساهمين إن المنتجات التي تُصدَّر إلى أمريكا لم تعد تُنتج في الصين منذ بدء الحرب التجارية عام 2018.

رئيسة مجلس الإدارة وانغ لايتشون قالت خلال مكالمة الأرباح في أوائل مايو "رغم أن الرسوم الجمركية قد تؤثر على المزاج الاستهلاكي في البلدان المستوردة، فإننا نعتمد دائماً على التطوير المتنوع لامتصاص مختلف التحديات. وحتى إن تأثر السوق بشكل طفيف، يمكننا استيعاب ذلك وضمان النمو المستقر للشركة".

 

 

ذهنية التحدي تخضع للاختبار مجددا

تخضع الذهنية المتحدية للشركات الصينية للاختبار مع تصاعد التوترات مجدداً بين أمريكا والصين، بعد فترة قصيرة من التهدئة التي أعقبت الهدنة الجمركية الشهر الماضي.

فبعد ساعات من اتهامه للصين بانتهاك الاتفاق المبرم مع أمريكا، عبّر ترمب عن ثقته بأن محادثة مع الرئيس الصيني شي جين بينغ قد تساعد على تهدئة التوترات التجارية المتجددة، لكن الصين اتهمت بدورها أمريكا بانتهاك الاتفاق الأخير، وتعهدت باتخاذ إجراءات لحماية مصالحها، مما قلّص من احتمالات عقد محادثات ثنائية جديدة.

سارعت شركة "دي آر كورب" التي تتخذ في شينجن مقرا وتصنع منتجات المجوهرات، في جعل سلسلة توريدها أكثر عالمية، لكنها لا تزال متفائلة حيال سوق أمريكا على المدى الطويل، وستواصل زيادة استثماراتها وجهودها الترويجية في هذه السوق.

جاء في نص مكالمة جماعية للشركة في مايو، أنه "في مواجهة حالة عدم اليقين في السوق الأمريكية، وضعنا إستراتيجية جديدة للتعامل مع الوضع، إذ سنفصل بين بناء العلامة التجارية وتشغيل متاجر التجزئة، وسنركز على زيادة الاستثمار في بناء العلامة".

المخاطر لا تزال قائمة

عندما بلغت التوترات بين أمريكا والصين ذروتها، ووصلت الرسوم الجمركية إلى 145% على بعض السلع الصينية، قالت شركات تركز على السوق المحلية مثل "وينس فودستاف جروب" المتخصصة في تربية المواشي والدواجن، إن الحرب التجارية ليس لها تأثير كبير في تكاليف الإنتاج لديها.

وجاء في نص مكالمة أرباح أواخر أبريل "تتوقع الشركة مسبقا الأثر المحتمل للحرب التجارية الصينية-الأميركية، وتخزّن كميات من المواد الخام للعلف، على المديين المتوسط والطويل حين تكون أسعارها منخفضة نسبيا".

اعتبر محلل "بلومبرغ إنتليجنس" مارفن تشين، أن تعافي الاقتصاد المحلي الصيني هو العنصر الأكثر أهمية بالنسبة للشركات الصينية، مضيفا "تعاملت الصين مع زيادات رسوم أمريكا الجمركية طوال السنوات الثماني الماضية، لذا فإن الشركات كانت قد بدأت بالفعل بإعادة هيكلة سلاسل الإمداد، وقد تؤثر الرسوم في معنويات الشركات، لكن من المتوقع أن يكون الدعم المحلي كافيا لتخفيف الأثر".

عوائد متضاربة وتحديات مستمرة للصادرات

مع ذلك، كانت نتائج أرباح الربع الأول مختلطة، وقال تشين "رغم أن حزم التحفيز التي نُفذت في نهاية 2024 بدأت في دعم الاقتصاد المحلي، إلا أن نتائج شركات التكنولوجيا الكبرى في الصين جاءت متفاوتة، بسبب المنافسة وتعافي الاستهلاك الهش".

في منتصف أبريل، صرحت شركة "ميديا جروب" المتخصصة في تصنيع الأجهزة المنزلية، أن الصادرات الصينية تواجه مزيدا من حالات عدم اليقين هذا العام، في حين أن الاحتكاكات التجارية الناجمة عن الرسوم رفعت تكاليف التشغيل لشركات الأجهزة المنزلية.

في الأثناء، تراجعت طلبات المصانع في أبريل بأكبر وتيرة منذ سبتمبر 2022، مع تأثير الرسوم الأمريكية على المصدّرين الأصغر رغم هدنة الحرب التجارية، وشهدت الأرباح الصينية في ذلك الشهر تعديلات هبوطية حادة، في وقت بلغت فيه الرسوم ذروتها.

توقعات الأرباح لا تزال راكدة

رغم أن معدلات الرسوم الجمركية انخفضت منذ ذلك الحين، إلا أنها لا تزال أعلى مما كانت عليه سابقاً، ما سيواصل الضغط على المصدّرين الصينيين، بحسب ما قاله ستيفن صن من "إتش إس بي سي"، مضيفا "ما زالت معظم الشركات حذرة حيال مسار الرسوم الجمركية، حيث ظلت توقعات الأرباح لعام 2025 شبه مستقرة منذ 12 أبريل".

تشين اختتم بالقول "لا تزال هناك درجة عالية من عدم اليقين بشأن ما سيحدث خلال 90 يوما، وما إذا كان من الممكن التوصل إلى اتفاق تجاري، وإذا حدث، فما هي تفاصيله"، مضيفا أن تأثير الرسوم الإضافية قد يبدأ في الظهور خلال نتائج منتصف العام.

سمات

الأكثر قراءة