نجاح سريع انتهى بالإفلاس .. كيف أطاح التسمم بنجاح «هامبرغيني»؟

نجاح سريع انتهى بالإفلاس .. كيف أطاح التسمم بنجاح «هامبرغيني»؟

نجاح سريع انتهى بالإفلاس .. كيف أطاح التسمم بنجاح «هامبرغيني»؟

قبل خمسة أعوام فقط كان نواف الفوزان مؤسس ورئيس سلسلة مطاعم "هامبرغيني" للوجبات السريعة يطمح في مواصلة التوسع من خلال افتتاح فروع خارج السعودية، وأن تتحول علامته التجارية من علامة محلية إلى إقليمية ثم عالمية، لكن كل ذلك انتهى منذ أيام بإعلان مبارك العنزي أمين الإفلاس أن المحكمة التجارية بالرياض أصدرت حكمًا ببدء إجراءات تصفية "هامبرغيني" داعيًا الدائنين إلى التقدم بمطالبهم خلال 90 يومًا.

القصة بدأت في 2013 حين تأسست "هامبرغيني" كشركة محلية لتقديم الوجبات السريعة، وآنذاك كان الهدف تقديم جودة أفضل ومنافسة الشركات العالمية المعروفة، خاصة أن سوق الوجبات السريعة ضمن الأسواق الواعدة وبلغت قيمته السوقية نحو 26.6 مليار ريال في 2022، ولجذب العملاء أطلقت الشركة الجديدة حملات دعاية ضخمة اعتمدت على التسويق الرقمي المبتكر والحضور القوي على منصات التواصل، واستهدفت الشباب من خلال مخاطبتهم بلغتهم في الحملات الإعلانية.

فيضان اجتاح السوق المحلي، وصف أطلق على "هامبرغيني" التي انتشرت سريعا بفضل الجيل الجديد الذي جعل من العلامة المحلية عنوانا له في الوجبات السريعة، وبالأرقام تمكنت الشركة خلال 4 سنوات فقط (2015-2019) من التوسع وافتتاح فروع وصل عددها إلى 57 فرع منهم 29 فرع في الرياض وحدها، بجانب أفرع في المنطقة الشرقية والقصيم وجدة وحائل ومناطق أخرى، ونتيجة هذا تم تصنيف "هامبرغيني" ضمن واحدة من أسرع العلامات التجارية نموًا في قطاع البرغر بالسعودية بعد أن صار الوجبة المفضلة للملايين في مختلف المدن.

تأسيسًا على ما سبق أعلن نواف الفوزان في بيان رسمي 2020 أن شركته صارت أكثر المطاعم من حيث افتتاح الفروع داخل المملكة، مؤكدًا إنه سيواصل التوسع من أجل زيادة حصته السوقية في قطاع يشهد منافسة شرسة بين الشركات المحلية والعالمية، كما كشف آنذاك إنه سيطرح 20 % من رأس مال "هامبرغيني" في "نمو" وهي سوق موازية بدأت بضم 9 شركات بقيمة 2.3 مليار ريال وصارت الآن تضم 106 شركات بقيمة تقارب الـ60 مليار ريال.

الصعود السريع صحبه أيضا انهيار سريع، ففي مساء 25 من إبريل 2024 وتحديدًا في الساعة العاشرة مساءًا تلقى نواف الفوزان اتصال هاتفي من أمانة مدينة الرياض تخبره فيها أن هناك حادثة تسمم غذائي في أحد أفرع "هامبرغيني" بالرياض ونتج عنها إصابة أكثر من 70 شخص ووفاة واحدة، وبعد التحقيقات تبين أن السبب بكتيريا كلوسترديويم بوتولينوم في منتج مايونيز مستورد يحمل علامة "بون تم".

إثر تلك الحادثة أغلقت السلطات جميع أفرع "هامبرغيني" في الرياض كما سُحب المايونيز من الأسوق وتوقف إنتاجه في المصانع ورغم أن سبب الكارثة كان منتج خارجي لكن هذا لم يمنع الضرر الذي لحق بـ"هامبورغيني" بعد أن تضررت العلامة التجارية بشدة وتراجعت ثقة المستهلكين فيها خاصة الأوساط الشبابية الذين فزعوا من حادثة التسمم إذ كان يمكن أن يكونوا هم الضحايا.

تتشابه قصة "هامبرغيني" مع قصص عالمية أخرى، أبرزها سلسلة مطاعم "جاك إن ذا بوكس" الأمريكية والتي أطلقت في 1993 عرضًا لـ"برغر أطفال" بسعر رخيص فأقبل عليه آلاف العائلات، لكن الإقبال الضخم تحول إلى كارثة بعد تسمم أكثر من 732 شخص ووفاة 4 أطفال وإصابة العشرات بالفشل الكلوي وذلك بسبب عدم طهي اللحم البقري جيدًا ما نتج عنه وجود بكتيريا، وبعيدًا عن انهيار المبيعات وتعرض الشركة لخطر الإفلاس فإن سلامة الغذاء الأمريكية عدلت من قوانينها لتجعل درجة حرارة الطهي 155 فهر نهايت على الأقل كما فرضت رقابة أكثر صرامة على مصانع اللحوم.

في المكسيك كانت مطاعم "تشي تشيز" هي عنوان لحوادث الوجبات السريعة، ففي نوفمبر 2003 استوردت سلسلة المطاعم الشهيرة بصل أخضر اتضح بعد ذلك إنه فاسد، وتسبب في تسمم الآلاف ووفاة 4 أشخاص، لكن الأخطر إن مضاعفات التسمم أدت إلى إصابة 650 شخص بإلتهاب الكبد الوبائي، وبعد عام واحد من الدعاوى القضائية والتعويضات الضخمة أعلنت الشركة إفلاسها في 2004 بسبب عدم قدرتها على التعافي.

تعدد القصص في مختلف أنحاء العالم وإفلاس بعض الشركات دفع مجموعة "آي مارك" للاستشارات والأبحاث التسويقية إلى دراسة الأمر الذي خلصت منه إلى أن سوق الوجبات السريعة ضخم جدًا إذ بلغت قيمته العالمية 902.1 مليار دولار في 2024 مع توقعات أن يصل إلى 1.298.5 مليار دولار في 2033 بمعدل نمو سنوي مركب قدره 4.09%.

كما أوضحت المجموعة البحثية أن هناك ثلاث أسباب رئيسية في إفلاس بعض الشركات أو تراجع مبيعاتها، أولهم تقصير في معايير سلامة الغذاء أو سوء التخزين والتحضير، والثاني قضايا التعويضات التي تستنزف أرباح الشركات ويبقى السبب الثالث والأهم فقدان ثقة المستهلك في المنتج، لأنه حتى مع قضايا التعويضات وبعض الحوادث يمكن لسلاسل المطاعم أن تستمر شرط أن يقبل عليها الجمهور ثانية وهذا يفسر سر عودة بعض الشركات إلى العمل بعد حوادث كبيرة فيما اندثرت شركات أخرى.

"هامبرغيني" كانت من النوع الأول إذ فقدت ثقة المستهلك حتى انتهى بها المطاف إلى إعلان إفلاسها رسميًا وفقًا للمحكمة التجارية، رغم ذلك لم تفقد تعاطف بعض عملاؤها الذين عبروا عن حزنهم من هذا المصير لشركة محلية أثبتت جدارتها في السوق السعودي وتمكنت من منافسة الكِبار، فيما تحسر آخرون على "البرغر" اللذيذ و"البطاطا" الحلوة التي أكلوها من الفروع ذات اللون البرتقالي في سنوات الازدهار.

الأكثر قراءة