ترمب في الخليج.. تأكيد على مركزية الرياض في صناعة القرار العالمي وعودة للحلفاء
اختيار ترمب منطقة الخليج، وتحديدا دولة السعودية، وجهة خارجية أولى في برنامج ولايته الرئاسية الثانية، على اعتبار أن زيارة روما أواخر شهر أبريل لتشييع جنازة البابا فرنسيس كانت حدثا طارئا، مؤشر قوي على مراجعة الإدارة الأمريكية الحالية لقائمة الحلفاء التقليدين، حيث جرى العرف في واشنطن بأن يتوجه الرؤساء الأمريكيون نحو المملكة المتحدة أو كندا أو المكسيك.
تعد عودة ترمب إلى السعودية، في أول خروج له منذ رجوعه إلى البيت الأبيض مطلع العام الجاري، دليلا على الدور الجيوسياسي المتزايد الذي تحظى به الرياض في مسرح الأحداث العالمي. فقد وصفت كارولين ليفيت، المتحدثة باسم البيت الأبيض، الزيارة بـ "العودة التاريخية إلى الشرق الأوسط"، مضيفة أن الجولة تأكيد على "وقوفنا على أعتاب العصر الذهبي لكل من الولايات المتحدة والشرق الأوسط متحدين".
بعد 4 سنوات من الفراغ، خلال رئاسة جو بايدن، يعود الرئيس ترمب في الزيارة رقم 12 لرؤساء الأمريكيين للسعودية خلال نصف قرن، قصد إتمام ما بدأه خلال ولايته الأولى، مؤكدا أمرين أساسيين؛ أحدهما أن السعودية شريك إستراتيجي رئيسي، والآخر عزمه تصحيح أخطاء الإدارة السابقة باستعادة النفوذ الأمريكي في المنطقة.
لا تفسير أخر لافتتاح ترمب جولاته الخارجية من السعودية غير مركزية الرياض في المشهد العالمي، خصوصا أن الزيارة تتزامن مع سياق عالمي يشهد تغييرات إقليمية ودولية، هي الأوسع منذ نهاية الحرب الباردة. وهذا ما تثبته أجندة الزيارة، والقمم المرتقبة في السعودية مع عدد من القادة العرب بشأن قضايا المنطقة وأزمات العالم.
لم تعد الرياض عاصمة للقرار الإقليمي فقط، بل مؤديا أساسيا في الاستقرار العالمي، وقبل ذلك وجهة عالمية للاستثمارات الدولية. ما يجعلها قبلة يقصدها زعماء السياسية ورجال الأعمال، بما في ذلك رئيس أقوى دولة في العالم، صاحب شعار "اجعل أمريكا عظيمة مجددا".
فضل ترمب الرياض على لندن وباريس وبروكسيل وبرلين، لثقته الكبيرة في حكام المملكة. إذ سبق له أن أكد، في 19 فبراير الماضي، خلال قمة الاستثمار السعودية في ميامي بولاية فلوريدا، أمام قادة الأعمال المشاركين أن "للسعودية مكانة خاصة مع قادة مميزين".
تعد هذه الثقة التي باتت مفقودة بين رجال السياسة عنصر قوة بالنسبة للسعودية، فمن شأنها أن تعزز مكانة المملكة في واشنطن، وتدعم أدوار الوساطة التي تقودها في عديد من الملفات والقضايا الشائكة؛ إقليميا وعالميا، سعيا لتحقيق اختراقات مهمة فيها، بما في ذلك المحادثات الأمريكية الروسية بشأن الحرب الأوكرانية.
حضر الاقتصاد والتجارة في رحلة ترمب إلى الخليج بتوقيع 145 اتفاقية بقيمة 300 مليار دولار خلال الزيارة، بالتوازي مع حضور السياسة والأمن، فأحد الأهداف الرئيسية من الزيارة هو البحث عن مسارات لاستقرار المنطقة، والسعي لاجتراح آفاق سياسية لحل الملفات العالقة والمتوترة في البيئة الإقليمية والدولية، مع القيادة السعودية التي تتحرك بدبلوماسية رشيقة، على أكثر من جبهة، لنزع فتيل التوترات الإقليمية وتطويق الصراعات الدولية.
نشهد اليوم دورة من دورات التاريخ الكبرى، فحتى وقت قريب كانت واشنطن وجهة تقصد بحثا عن حلول للأزمات، أضحت الرياض اليوم صاحبة هذه المكانة، بتعاقب الساسة والزعماء عليها. بشهادة الأمريكيين أنفسهم، فواشنطن بحسب المتحدث الإقليمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية، سامويل وربيرج، تسعى إلى "إيجاد حلول سياسية ودبلوماسية مستدامة للأزمات، ودعم جهود التهدئة في غزة، والتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار، ومواجهة الأنشطة التي تهدد حرية الملاحة في البحر الأحمر".
ستبقى الزيارة حدثا مهما في تاريخ السعودية باعتبارها أول محطة خارجية في ولاية الرئيس الأمريكي، كما يعد التوجه نحو الرياض، بالنسبة إلى ترمب، فرصة مثالية لتحقيق وعد قطعه أمام الأمريكيين بأنه سيكون "صانعا للسلام في العالم".