أستقرار النفط مسؤولية جماعية
في عالم يتسم بالتقلبات الاقتصادية والجيوسياسية، تبقى أسواق النفط من أكثر الأسواق حساسية للتغيرات، سواء على صعيد الإنتاج أو الطلب أو حتى التوقعات المستقبلية. من هنا يبرز الدور المحوري للتحالف المعروف بـتحالف "أوبك+" الذي يضم الدول الأعضاء في منظمة أوبك إضافة إلى دول منتجة من خارجها وعلى رأسها روسيا. إن التزام هذه الدول باتفاقات خفض أو زيادة الإنتاج لا يشكل فقط عنصرا تقنيا، بل يعد حجر الأساس في الحفاظ على استقرار منظومة العرض والطلب، وبالتالي استقرار الأسعار عند مستويات تحقق التوازن بين مصالح المنتجين والمستهلكين.
في رأيي، إن أي إخلال بالتزامات خفض الإنتاج، أو أي تحرك فردي غير منسق من قبل الدول الأعضاء، سيؤدي إلى اختلال التوازن في السوق، مما ينعكس سلبا إما بانخفاض الأسعار بشكل يضر بالمنتجين، أو بارتفاعها إلى مستويات مرهقة للاقتصاد العالمي والمستهلكين. شهدنا ذلك جليا في أزمات سابقة، حيث تسبب غياب التنسيق أو ضعف الالتزام إلى تقلبات حادة في الأسعار تجاوزت أحيانا 30% خلال أشهر معدودة.
أعتقد أن التزام الدول الأعضاء في "أوبك+" بتعهداتها يسهم في إضفاء المصداقية على التحالف، ويمنح السوق ثقة أكبر في التوقعات المستقبلية. فعلى سبيل المثال، أسهمت الاتفاقات التي تم التوصل إليها خلال جائحة كوفيد 19 في 2020، التي شملت خفضا غير مسبوق بلغ 9.7 مليون برميل يوميا في إنقاذ السوق من انهيار تاريخي في الأسعار.
لا يمكن الحديث عن استقرار الأسواق دون التوقف عند الدور السعودي، فقد أثبتت السعودية، كونها أكبر مصدر للنفط عالميا، أنها صمام الأمان في السوق النفطية. من خلال قدرتها الفائقة على تعديل مستويات الإنتاج بمرونة، وسياستها المتوازنة بين حماية مصالحها ومصالح السوق العالمية، حيث كانت الرياض وما زالت اللاعب الأهم في ضبط إيقاع السوق. أعتقد أن السعودية لا تدير فقط إنتاجها بل تدير أيضا الثقة في السوق.
في المقابل يجب أن يعي العالم أن مسؤولية استقرار أسواق النفط لا تقع على عاتق السعودية وحدها، كون الاستقرار مسؤولية جماعية تتطلب التزاما صادقا من جميع المنتجين، وغياب التنسيق يهدد بانهيار الجهود المشتركة.
تشير التقديرات إلى أن الطلب العالمي على النفط قد تجاوز 102 مليون برميل يوميا في 2024، ومن المتوقع أن يستمر في الارتفاع، خاصة في الأسواق الآسيوية. هذا يعني أن الحاجة إلى إدارة منضبطة للإمدادات ستكون أكثر إلحاحا من أي وقت مضى، وهو ما يجعل الالتزام أولوية لا يمكن التهاون فيها.
في الختام، فإن الحفاظ على استقرار الأسواق يتطلب توازنا دقيقا بين الإنتاج والطلب، ولن يتحقق هذا التوازن إلا من خلال التزام جماعي، وقيادة حكيمة كتلك التي تقدمها السعودية.