"دويتشه بنك" و"HSBC": الأسواق تنبض بالحياة خارج أمريكا

"دويتشه بنك" يحقق أفضل أرباح فصلية منذ 2011 بقيمة 2.8 مليار يورو

  • "إتش إس بي سي" يسجل أرباحاً بقيمة 9.5 مليار دولار متجاوزاً التوقعات
  • تفاؤل البنكين باستمرار النشاط التجاري العالمي القوي يتحدى التشاؤم الأمريكي
  • تهديدات الرسوم الجمركية تفرض على البنكين وضع مخصصات ائتمانية احترازية بملايين اليوروهات
  • "إتش إس بي سي" يتوقع خسارة إيرادات لا تتجاوز 10% في أسوأ سيناريوهات الحرب التجارية

يرى كلّ من "دويتشه بنك" و"إتش إس بي سي هولدينجز" (HSBC Holdings) أن العالم يواصل نشاطه الاقتصادي القوي بأشكال متعددة، حتى في الوقت الذي تلحق فيه الولايات المتحدة الأمريكية الضرر باقتصادها".
يشن رئيس البلاد دونالد ترمب حرب رسوم جمركية من شأنها، إذا استمرت، أن تلحق الضرر بالتجارة والإنتاج العالميين، إلا أن كلا المصرفين الأوروبيين يريان في هذا الفعل الأمريكي نوعاً من الأذى الذاتي الذي قد يعود عليهما بفوائد محتملة.
أعلن البنكان عن أرباح فصلية للربع الأول جاءت أفضل مما كان متوقعاً. حقق "دويتشه بنك" أرباحاً قبل خصم الضرائب بقيمة 2.8 مليار يورو (ما يعادل 3.2 مليار دولار)، وهي أفضل نتيجة فصلية له منذ بداية 2011. استفاد البنك الألماني من نشاط قوي للغاية في وحدات تداول السندات والعملات، إلى جانب تحسن في ربحية قطاعه المخصص للمستهلكين والشركات الصغيرة داخل ألمانيا.
أما "إتش إس بي سي"، فقد سجل أرباحاً بلغت 9.5 مليار دولار، متجاوزاً التوقعات أيضاً، رغم أن هذا الرقم كان أقل من الأرباح المسجلة في الفترة نفسها من العام الماضي.
وساعدت إيرادات الرسوم الناجمة عن زيادة نشاط تداول العملات الأجنبية، إلى جانب تحول عملاء إدارة الثروات بعيداً عن الأسواق الأمريكية نحو أسهم آسيوية وسندات قصيرة الأجل أو حتى الاحتفاظ بالسيولة النقدية، في رفع الإيرادات غير المعتمدة على الفوائد خلال هذه الفترة الربع سنوية.

أثر الرسوم الجمركية

كانت الرسوم الجمركية العالمية التي فرضها ترمب قد أُعلنت بعد نهاية الربع الأول، ما يعني أن الأثر الحقيقي لم يظهر بعد. وأكد البنكان أن حالة عدم اليقين والمخاطر قد ارتفعت نتيجة لذلك.
على غرار ما قامت به بعض البنوك الأمريكية الشهر الجاري، أضاف "دويتشه بنك" و"إتش إس بي سي" مخصصات احترازية لتغطية خسائر ائتمانية محتملة، وهي مخصصات تهدف إلى الاستعداد لاحتمالات متزايدة لوقوع مشكلات مستقبلية.
لكن في حالة "دويتشه بنك"، لم تتجاوز هذه المخصصات الإضافية 70 مليون يورو، بينما بلغت لدى "إتش إس بي سي" نحو 150 مليون دولار. وللمقارنة، أضاف بنك "جيه بي مورجان تشيس آند كو" مخصصات احترازية بقيمة 973 مليون دولار خلال الربع الأول، وهي مخصصات يغلب عليها الطابع الاستشرافي. رغم أن "جيه بي مورجان" أكبر بكثير من "دويتشه بنك" وأكبر قليلاً من "إتش إس بي سي"، فإن هذه المخصصات جاءت كنسبة أعلى من متوسط القروض، ما يعكس قلق البنك الأمريكي من احتمال دخول الاقتصاد المحلي في ركود.
وقد أجرى "إتش إس بي سي" تقييماً لاحتمالات التأثر السلبي بالتجارة والنشاط الاقتصادي العالمي في حال تفاقمت الحرب الجمركية، وذلك من خلال اختبار إجهاد لآفاقه المستقبلية. وحتى في ظل ما وصفه السيناريو السلبي لكنه معقول الحدوث، يتوقع البنك أن يخسر نسبة مئوية من الإيرادات أقل من 10%، إلى جانب مخصصات ائتمانية إضافية بقيمة 500 مليون دولار.

التفاؤل مقابل التشاؤم

رفض مسؤولو البنك الكشف عن التفاصيل الكامنة وراء الافتراضات التي بُني عليها هذا السيناريو، رغم أن المديرة المالية بام كور أوضحت للمحللين أن التباطؤ في الناتج المحلي الإجمالي الذي اعتمدته التقديرات لم يكن كبيراً إلى درجة الانكماش بنسبة تفوق 10% كما حدث على مستوى العالم خلال وباء "كورونا".
يُعتبر هذا التقدير أكثر تفاؤلاً مما يشعر به كثيرون في الولايات المتحدة الأمريكية، إذ أشار بعض رؤساء شركات التصنيع، في استبيانات نُشرت من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي في دالاس، إلى أن المخاطر التي يواجهونها حالياً أسوأ مما واجهوه خلال فترة وباء كورونا.
على صعيد التجارة والاستثمار، طرح كل من "دويتشه بنك" و"إتش إس بي سي" رسائل إيجابية في خضم الأجواء المتشائمة، معبرين عن آمال في أن تؤدي سياسات ترمب التجارية، برغم ما تسببه من اضطراب، إلى نتائج إيجابية في نهاية المطاف.
بالنسبة إلى "دويتشه بنك"، فإن خطط عملائه من الشركات كانت بمعظمها في حالة تجميد، وهو ما انعكس على ضعف نمو القروض والأداء المخيب لأعمال الاستشارات البنكية الاستثمارية منذ بداية العام الحالي.
رغم ذلك، يتوقع البنك أن يؤدي برنامج استثماري تقوده الحكومات في أوروبا، ولا سيما في ألمانيا، إلى انتعاش كبير في النشاط الاقتصادي بوقت لاحق من العام الحالي، ويمتد إلى 2026، سواء بشكل مباشر أو من خلال تعزيز ثقة الشركات والمستهلكين.

الرهان على آسيا والشرق الأوسط

أما "إتش إس بي سي"، فتوقع أن يجني فوائد من استمرار نمو الاستهلاك والتجارة داخل آسيا وبينها وبين منطقة الشرق الأوسط.
وأشار إلى أن التجارة المباشرة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية تضررت بالفعل، إذ توقفت الأنشطة المتعلقة بالبضائع الخاضعة للرسوم الجمركية بشكل شبه تام، في حين تباطأت أيضاً حركة التجارة التي تمر عبر الصين ودول أخرى قبل أن تصل إلى الولايات المتحدة الأمريكية. رغم ذلك، أوضح البنك أن هذا النمط الأخير من التجارة يمثل جزءاً صغيراً من أعمال "إتش إس بي سي"، مقارنة بحجم أعماله بين آسيا والشرق الأوسط.
كرر البنكان تأكيدهما على أهداف الربحية، وارتفعت أسهمهما الأسبوع الماضي. كما أعلن "إتش إس بي سي" عن برنامج جديد لإعادة شراء أسهم بـ3 مليارات دولار لهذه الفترة الربع سنوية.
رغم أن هناك كثيرا مما قد يتدهور بشكل يفوق توقعات هذين البنكين، إلا أن صمود الأعمال العالمية خارج الولايات المتحدة الأمريكية ربما يشكل سمة بارزة لـ2025، إلى جانب نوع مختلف من "التميز الأمريكي" لا يصب في الاتجاه الإيجابي.

خاص بـ "بلومبرغ"

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي