المحاسبة في المملكة ورياح التغيير 3/4
لعل من رياح التغيير إنشاء وحدة خاصة في هيئة السوق المالية تعنى بشكل أساس بعملية متابعة القوائم المالية للشركات المساهمة المدرجة في سوق المال، وتشديد العقوبة على المخالفين، مع تحديد تواريخ محددة للإفصاح عن نتائج القوائم المالية الربعية والسنوية، وكذا التأكد من تطبيق معايير المحاسبة السعودية بدقة. ومن نتائج ذلك أيضاً التعاون الواضح بين هيئة السوق المالية والهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين لتطوير معايير المحاسبة والعمل على مواءمتها مع معايير المحاسبة الدولية من خلال مشروع مشترك يجري حالياً تنفيذه؛ إضافة إلى تحسين النظم المالية للشركات المساهمة واستقطابها الكفاءات المؤهلة خوفاً من وقوعها في مخالفات مالية، وكذا زيادة حرص المراجعين القانونيين عند فحصهم القوائم المالية الربعية ومراجعة القوائم المالية السنوية، خوفاً من تطبيق العقوبات، ومن نتائج ذلك إعادة النظر في نظام الشركات السعودية؛ ولا شك أن انهيار السوق المالية كان له أثر الزلزال في تطوير مهنة المحاسبة في المملكة، وستهب رياح التغيير بشكل قوي ليس على المملكة فحسب بل على المنطقة جميعاً.
فقد نرى قريباً، إعادة النظر في الإطار الفكري للمحاسبة المالية في المملكة سواء ما تعلق بأهداف المحاسبة المالية أو تحديد مفاهيمها ، وتعريف للعناصر وكذا أساسيات القياس، إضافة إلى تبسيط لغة العرض المحاسبي ليفهمها عامة المجتمع وليس النخبة، كما هو جار حالياً، والعمل بشكل جدي على تعريف وتحديد الإفصاح الكافي بحيث يكون نابعاً من حاجات المستفيدين زماناً ومكاناً.
وكما هو معلوم فإن معايير المحاسبة السعودية تأخذ إلزاميتها من نظام المحاسبين القانونيين الذي أعطى الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين كامل الصلاحية في إعداد المعايير المهنية ومراقبة تطبيق أعضائها لتلك المعايير؛ وعززت هذه الصلاحية بنظام السوق المالية ولوائحه التنفيذية الذي ألزم الشركات المدرجة في سوق المال باعتبار معايير المحاسبة الصادرة من الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين أساساً لإعداد القوائم المالية، كما أن نظام الدخل (الضريبة)، قد أكد ضرورة استخدام معايير المحاسبة السعودية لإعداد القوائم المالية للشركات الخاضعة للضريبة، حيث تستخدم تلك القوائم كأساس لإعداد الوعاء الضريبي. ولقد أدركت تلك الجهات مجتمعة الضغط الذي تواجهه من طبقات المجتمع كافة، وعلى الأخص المستثمرين في أسواق المال؛ ونفذت هيئة السوق المالية والهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين مشروعا مهما لإعادة دراسة كفاءة معايير القياس والإفصاح للشركات المساهمة المدرجة في سوق المال، ومدى الالتزام بتفاصيلها، إضافة إلى قدرتها على عكس عدالة نتائج تلك القوائم؛ وبرأيي أن نتائج هذا المشروع حال انجازه ستكون لها آثار مباشرة على مراجعة كثير من تفاصيل المعايير، إضافة إلى إعادة النظر في مكونات الإطار الفكري للمحاسبة في المملكة سواء ما يتعلق بأهداف المحاسبة المالية أو مفاهيمها؛ فعلى سبيل المثال قد يلزم الآن العمل على توسيع قاعدة الأهداف لتشمل خدمة المستفيد الذي لا يستطيع الحصول على المعلومة من خلال إمداده بالقوائم المالية إلى إمداده بمعلومات تتعلق بالتقارير المالية كما هو الحال في أهداف المحاسبة في أكثر دول العالم؛ كما ستشهد أيضاً تعديلاً في أساس القياس، وذلك بالتحول من التكلفة التاريخية كأساس إلى قيم أكثر واقعية ولو لبعض عناصر القوائم المالية، كما ستشهد أيضاً تعديلاً في فرض ثبات وحدة القياس النقدي جراء ما يلاحظ من تغيرات هائلة في أسعار صرف العملات ومعدلات التضخم العالية وسنواصل رياح التغيير الأسبوع القادم .. الله أعلم.