القياس ليس قدرات وتحصيلا
تحدثت عن إضافة المواد الجديدة في الثانوية العامة، المواد العشر التي بإضافتها إلى مسارات وتخصصات الثانوية العامة نأمل في تحسن كبير في مخرجات التعليم. تحدثت الأربعاء الماضي عن الجامعات وحتمية التغيير مع هذه التطورات وذلك لمن لم يتغير أو يتطور منها.
أحسب أن مثل الإضافات بما تشمله من الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي والفضاء وعلوم الأرض، إضافة إلى ما له علاقة بالقانون والصحة والبرمجيات وحتى الجسم، ستغير من "تحصيل" و"قدرات" طلاب وطالبات الثانوية العامة، فهل هذا يقودنا إلى تغيير ثقافة القياس لدينا، وإعادة النظر فيما يسمى المصفوفة أو الموازنة بين درجات الطالبات والطلاب في المدرسة، ومستوياتهم في اختبارات التحصيل وقياس القدرات وأخيرا اختبار اللغة الإنجليزية؟
الإجابة البديهية هي نعم، وقبل مناقشة هذه الإجابة أو الإجابات الأخرى ربما يجدر بنا تأمل أوضاع القياس وهذه الاختبارات، ففي البدء كانت فعليا تقيس مستوى تحصيل وقدرات الطلاب، وإن كان ذلك غير دقيق تماما، لأن هذا المستوى لا يتحدد بناء على عمل أو ذكاء الطالب وحده، بل إنه يرتبط بقدرات المعلمين، وأساليب التعليم، بل حتى مكانه كمبنى ومكونات.
مع مرور الأعوام تحول الأمر إلى سوق كبيرة، مئات المذكرات التي تحولت إلى كتب، ومئات المواقع، وآلاف المدرسين والمدرسات الذين يزعمون التخصص في ذلك ويعملون حتى عن بعد من خارج المملكة، وملاحقة دائبة لأساليب الاختبار، والنتيجة أن الأغلبية اليوم إذا كانت لديهم القدرة المالية وليست القدرة المعرفية، يحصلون على درجات عالية في القدرات، ولا يزال "التحصيلي" يقاوم لكنه سيسقط أيضا أمام آليات السوق.
إذن نحن في إزاء ضرورة حتمية لتغيير آلية القياس والتحصيل، آلية تأخذ في حسبانها أن كثيرا من عباقرة الأمن السيبراني أو الذكاء الاصطناعي ـ مثالا لا حصرا ـ ليسوا بالضرورة جيدين في حفظ أو حتى فهم علم الأحياء أو الكيمياء، فهل يحرم مبدع شغوف بالتقنية من هذا التخصص المهم اليوم لأن نتائجه في هذه الاختبارات لم تجعل مصفوفته ملائمة لمتطلبات الجامعة أو الكلية التي تدرس هذين التخصصين؟
إننا جميعا مع فلترة الخريجات والخريجين من الثانوية العامة، لكن هذه الفلترة يجب أن تكون أذكى اليوم مع كل هذه التطورات، أيضا يجب أن تكون أيسر ماليا على العائلات ذات الدخل المتوسط وما دون، والتقدم التقني الذي نعيشه اليوم بفضل الرؤية الجميلة والملهمة يمكنه المساعدة على التيسير المادي تبعا لقدرات العائلات المالية.
القياس ليس قدرات و"تحصيلا" فقط.