في مجال النفط والطاقة: فكرة مرفوضة ومنظمة مقبولة

في مقال سابق بعنوان (الوطنية النفطية والنزعة الاستعمارية) منشور في جريدة ''الاقتصادية'' بتاريخ 20/6/1430هـ الموافق 13/6/2009 تناولت الاقتراح الإيطالي بإنشاء وكالة دولية للطاقة تضم المنتجين والمستوردين بهدف تنسيق إدارة احتياطيات وإنتاج البترول لضمان استقرار أسعار النفط الخام، وقد انتقدت في المقال المذكور آنفاً هذا الاقتراح لأنه يهدف في الواقع إلى جعل خطط وسياسات إنتاج النفط واحتياطياته في الدول المصدرة للنفط تحت سيطرة وإدارة منظمة دولية تهيمن عليها الدول الصناعية الرئيسية المستوردة للنفط، ومن ثم إنهاء دور منظمة الأقطار المصدرة للبترول (أوبك) والقضاء عليها قضاء مبرماً، وهو هدف قديم سعت إليه بعض الدول الصناعية الكبرى في الماضي وأخفقت في تحقيقه.
وبعد نشر ذلك المقال بيومين أي في يوم 22/6/1430هـ انعقد اجتماع الجولة السادسة من الحوار بين منظمة (أوبك) والاتحاد الأوروبي، وقبيل هذا الاجتماع تناقلت بعض وسائل الإعلام تصريحاً للأمين العام لمنظمة أوبك عبد الله البدري، أعرب فيه عن استعداد ''أوبك'' للتعاون والتنسيق مع الوكالة المقترحة في حال التقت مصالحهما وأهدافهما عند قواسم مشتركة، أهمها استقرار السوق وتوازن أسعار النفط, وأوضح أن منظمة أوبك وقبل انضمامها أو تعاونها مع أي منظمة جديدة للطاقة ينبغي لها أن تطلع على برنامجها ونظامها الأساسي, والمبادئ التي ستستند إليها، وخطة العمل التي ستنتهجها من أجل جمع جميع الدول المنتجة والمستهلكة للنفط تحت سقف واحد، كما أشار أمين عام ''أوبك'' إلى أهمية معرفة الأسس التي ستتبناها المنظمة المقترحة من أجل حماية مصالح الدول المنتجة والمستهلكة للنفط وتحديد كيفية تجاوز التحديات التي تواجه استقرار السوق وسبل تحقيق توازن أسعار النفط عند مستويات مقبولة من المنتجين والمستهلكين على حد سواء.
وعندما قرأت ذلك التصريح لم أشعر بارتياح كامل لأن أمين عام ''أوبك'' وإن أبدى بعض التحفظات والشروط حول قبول فكرة إنشاء منظمة جديدة تضم المنتجين والمستوردين للنفط، لم يرفض الفكرة من حيث المبدأ رفضاً قاطعا, إلا أن الأمين العام أدلى بعد انتهاء جولة الحوار بين ''أوبك'' والاتحاد الأوروبي بتصريح آخر تناقلته بعض وسائل الإعلام في 26/6/2009، أثلج صدري، حيث قال إن المقترح الإيطالي بإنشاء وكالة جديدة للطاقة لم يكن أحد بنود الاجتماع بين المنظمة والاتحاد الأوروبي ولكنه أثير أثناء النقاش، وبوضوح أكثر خلال المؤتمر الصحافي الذي أعقب الاجتماع. وأنه لا يرى فائدة من استحداث آلية جديدة للحوار بين منتجي ومستهلكي الطاقة في العالم، مؤكداً أن المؤسسات القائمة كفيلة بالقيام بالدور المطلوب حالياً أو مناقشة موضوعات جديدة تهم الطاقة عموماً. وأضاف أن المنتدى العالمي للطاقة الذي يقع مقره في الرياض، كفيل بالقيام بالمهام المقترحة من الجانب الإيطالي، حيث استطاع هذا المنتدى في السنوات الماضية تقريب وجهات النظر بين المنتجين والمستهلكين بشكل أفضل مما كان عليه الوضع في الماضي، ولذلك فإنه لا فائدة من وجود آلية جديدة للحوار بين منتجي ومستهلكي الطاقة في العالم. وشدد البدري على القول إنه (كأمين عام لأوبك لا أوافق على أي آلية أخرى).
تلك هي فكرة المنظمة أو الوكالة المرفوضة، والمأمول أن تكون صفحة الاقتراح الإيطالي بإنشاء هذه الوكالة قد انطوت نهائياً.
أما المنظمة الأخرى المقبولة والمرحب بها فهي الوكالة الدولية للطاقة المتجددة التي تمت الموافقة على تأسيسها في 8/1/2009 وأصبحت تضم في عضويتها (114) دولة واتخذت من دولة الإمارات مقراً لها، حيث أعلنت الإمارات أنها تعتزم استضافة مقر هذه الوكالة في مدينة (مصدر) وهي مشروع تحت الإنشاء يهدف إلى إقامة مدينة متعاونة كربونياً في الصحراء، كما أعلنت أن المقر سيكون جاهزاً بحلول عام 2011. وتهدف هذه الوكالة إلى النهوض بالتحول السريع إلى الاستخدام الواسع النطاق للطاقة المتجددة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية والطاقة الحرارية والطاقة الضوئية, وقد فازت الفرنسية (هيلين بيلوس) بمنصب المدير العام لهذه الوكالة بعد منافسة شديدة بين أربعة مرشحين من فرنسا واليونان وإسبانيا والدنمارك، وذلك خلال اجتماع المؤتمر التأسيسي الدولي للوكالة الدولية للطاقة المتجددة الذي انعقد في مدينة شرم الشيخ المصرية بتاريخ 30/6/2009.
وأفادت بعض التقارير الإعلامية أن بعض المؤسسات المصرفية قدرت أن تنفذ برامج استثمار في مجال الطاقة المتجددة هذا العام بقيمة (40) مليار دولار خلال السنة الحالية تليها برامج أخرى بمقدار 75 مليار دولار في عام 2010.
ويرى بعض خبراء النفط والطاقة في الدول المصدرة للنفط أن الاهتمام بتطوير واستخدام بدائل للنفط كمصادر للطاقة أصبح أمراً محموداً ومطلوباً لأن من شأن إيجاد هذه البدائل التخفيف من الضغط المتزايد على ما تبقى من موارد نفطية عالمية, وسبق أن أدلى المهندس علي النعيمي وزير البترول والثروة المعدنية بتصريح أكد فيه على ضرورة الاستعانة بمصادر الطاقة الشمسية في السعودية لتكون رديفا للنفط والغاز في توليد الطاقة الكهربائية.
وطبقاً لتقديرات المدير التنفيذي لشركة مي سي النفطية العالمية طوني هايوارد فإن احتياطيات النفط العالمية المثبتة تبلغ (1258) مليار برميل باستثناء الرمال النفطية الكندية، ما يكفي استهلاك 42 سنة بمعدلات إنتاج 2008، وأنه استناداً إلى المعدلات ذاتها تكفي احتياطيات الغاز لمدة (60) سنة. وبناء على هذه التقديرات فإنه يمكن القول إن الاهتمام بمصادر متجددة للطاقة وتطويرها لتكون صالحة للاستعمال على نطاق واسع أصبح أمراً ضرورياً لمستقبل البشرية. ومن التدابير الحديثة اللافتة للانتباه في هذا الصدد قيام (12) شركة غالبيتها ألمانية بتوقيع اتفاق يوم 13/7/2009 لإطلاق مشروع تبلغ قيمته (400) مليار يورو لبناء محطات لتوليد الطاقة الشمسية في شمال إفريقيا والشرق الأوسط لتزويد أوروبا بطاقة (نظيفة). وقال القائمون على هذا المشروع الضخم الذي يحمل اسم (ديزيرتك) إنه قد يلبي على الأمد الطويل 15 في المائة من حاجات أوروبا من الطاقة وجزءاً كبيراً من حاجات الدول المنتجة. وترتيباً على ما سبق فإنه يمكن القول إن إنشاء منظمة دولية جديدة للطاقة الجديدة تعد خطوة لازمة لوضع الإطار القانوني للتعاون وتنسيق جهود الدول الأعضاء في مجال تطوير واستخدام مصادر الطاقة المتجددة.
فمرحباً بإنشاء الوكالة الدولية للطاقة المتجددة ومرحباً بسقوط الاقتراح الإيطالي بإنشاء وكالة تهدف إلى سيطرة الدول الصناعية الكبرى على الموارد النفطية في الدول المصدرة للنفط.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي