العملات المشفرة .. حان وقت الملاحقات

شهدت الأعوام الأخيرة نموا سريعا في الأصول المشفرة والمنتجات والخدمات المالية المرتبطة بها. وهناك ازدياد أيضا في الروابط بينها وبين النظام المالي الخاضع للتنظيم. ويسعى صناع السياسات في العالم جاهدين إلى مراقبة المخاطر الناشئة عن هذا القطاع الآخذ في التطور، والذي لا يغطي التنظيم المالي كثيرا من أنشطته، والواقع أن هذه المخاطر تؤثر في الاستقرار المالي خاصة بعد أن دخلت في تعاملات غير قانونية وممنوعة، ويمكن أن تتحول قريبا إلى مخاطر نظامية في بعض الدول. وتتوسع دائرتها.
ومن هذه النقطة تحديدا ينبغي أن يخضع مصدرو العملات الرقمية المشفرة لشروط احترازية صارمة. فقد بدأت بعض هذه الأدوات تلقى قبولا فيما هو أبعد من حدود مستخدمي العملات الرقمية، وتستخدم حاليا باعتبارها مخازن للقيمة. وإذا لم تخضع العملات الرقمية المشفرة لتنظيم سليم، فمن شأنها أن تضعف الاستقرار النقدي والمالي.
وعلى هذا الصعيد بدأ الأوروبيون يتحركون جديا على صعيد تنظيم التشريعات الخاصة بالعملات الرقمية (أو المشفرة)، في الوقت الذي ترى فيه بعض الجهات تأخرا في هذا التوجه. وهذه العملات التي انطلقت عمليا في 2009، وانتشرت وتعددت أنواعها، كانت خارج التنظيم من قبل البنوك المركزية. وهذه الأخيرة تأخرت بالفعل في إعلان موقف محدد منها، لو استثنينا موقف محافظ البنك المركزي الأوروبي، بأن العملات الرقمية ليس لها أساس تستند إليه. وهذا صحيح، لكن "المركزي الأوروبي"، ظل بعيدا عن حراك التنظيم هذا، حتى إن بعض البنوك المركزية الرئيسة، بدأ نشاطا بإطلاق عملات مشفرة خاصة بها، بما في ذلك المجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي. وفي الأعوام الماضية تفاوتت قيم العملات المشفرة عموما، وسط تقلبات كبيرة حدثت ولا تزال تحدث.
وموافقة أعضاء البرلمان الأوروبي على قواعد جديدة للعملات المشار إليها، تعد بالفعل خطوة أولى على صعيد مكافحة غسل الأموال، وتمويل الإرهاب، وحماية المستهلكين. فإذا لم تكن هناك قواعد لها، فكل شيء وارد، فضلا عن الجرائم الإلكترونية التي تتم عبرها. والهيئات الناظمة حول العالم كانت تعي هذه المسألة بلا شك، لكنها (مرة أخرى) تأخرت حتى بعد تعرضها للضغوط من جانب عدد كبير من الهيئات والجهات التي سعت إلى عملية التنظيم وإخضاع العملات الرقمية للوائح والقوانين النافذة، وللتعاون الدولي المحكم بهذا الخصوص. ولا شك أن جميع العملات المشفرة، أفلتت من القوانين الغائبة، ما سمح لها بحرية النشاط على مختلف المنصات، وبالتالي حدوث أمور غير قانونية هنا وهناك.
أهم التشريعات الأوروبية التي ستنفذ قريبا، هي التي تتعلق بالبيانات الخاصة بمقدمي خدمات الأصول الرقمية. وهذه النقطة تعد الأهم في أي عمل ضمن القطاع المالي. فالهويات الحقيقية تضمن ملاحقة المخالفين أو أولئك الذين يقومون بأعمال مخالفة قانونيا عبر منصات التشفير. وهذا يعني أنه يمكن الوصول إليهم وتقديمهم إلى المحاكمات إذا ما لزم الأمر، إضافة طبعا إلى تغريمهم إذا استدعي ذلك. ولعل النقطة الأهم في كل هذا، أنه يتوجب على المنصات التي ترغب في العمل ضمن حدود الاتحاد الأوروبي، أن توفر البيانات الكاملة والصحيحة حول العملاء، الأمر الذي يضمن أيضا تفادي حدوث عمليات تحويل أموال لأغراض غير مشروعة، مثل الإرهاب والجريمة المنظمة التي انتشرت بشكل كبير أخيرا وبطرق وأنواع متعددة، وتحمي حقوق واستثمارات العملاء أنفسهم. إن القوانين ضامنة لكل الأطراف.
القواعد الجديدة لها جانب بيئي أيضا. فالعملات الرقمية تستهلك مستويات عالية من الطاقة، عبر عمليات التشفير. وقد تعرضت بالفعل لانتقادات لم تتوقف من جانب الهيئات العالمية المعنية بالبيئة وحماية المناخ عموما. ومن هنا، فإن القوانين الجديدة ستجبر مقدمي الخدمات على المنصات المشفرة على تقديم قوائم حقيقية بمستويات الطاقة المستهلكة. ولا شك أن القوانين المشار إليها، تعد نقلة نوعية على صعيد مستقبل هذه العملات، والتعاملات المالية الافتراضية بشكل عام. فكل الجوانب المتعلقة بها، تستهدف بناء قواعد شرعية وقانونية آمنة بالنسبة إلى كل الأطراف، وليس فقط للعملاء العاديين، الذين سيتمتعون بأعلى معايير الحماية في عالم افتراضي لا أحد يمكنه قبل القوانين المقيدة أن يحدد الجهات القائمة على العملات الرقمية، ولا طبيعة العمليات التي تجري عبر المنصات. خصوصا إذا ما عرفنا، أن المعاملات غير النظامية بأصول رقمية تضاعفت في العام الماضي لتبلغ 21 مليار دولار تقريبا، بينما تتوقع بعض الجهات المهتمة، أن تكون هذه المبالغ أكبر من هذا الحد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي