Author

المياه .. استثمارات شحيحة

|

تغطي المياه أكثر من 70 في المائة من مساحة الأرض، لكن هذا لا يعني بأن مياه الشرب متوافرة بكثرة. إذ فقط 2.5 في المائة من المياه على سطح الأرض صالحة للشرب، وهو أمر مثير للقلق والخوف. وعندما نتحدث عن موارد العالم المحدودة للمياه فإن العذبة منها تشكل 3 في المائة فقط من المياه على الأرض. وتشكل المناطق الجليدية والأنهار المتجمدة أغلب مصادر المياه العذبة، ما يجعل ما هو متاح أقل من 1 في المائة وهو ما يمكن استخدامه للشرب والزراعة.
ومع زيادة عدد سكان الأرض، أصبح العالم في حاجة إلى مزيد من مصادر المياه للزراعة وإطعام الملايين حول العالم، ما زاد من صعوبة الأزمة، هو تزايد تلوث كميات المياه المتاحة للبشر سواء عن طريق الأسمدة أو التلوث الصناعي أو حتى الإفراط في استخدام المياه، ويتسبب في انخفاض مياه الخزانات الجوفية في المدن المكتظة. وهذه الأمور قد تدفع البشر في نهاية المطاف إلى الحروب للحصول على المياه الصالحة للشرب التي يبدو أنها آخذة في التناقص. حتى إذا تم التعاطي مع ظروف الطقس والطبيعة السيئة الناجمة عن ظاهرة التغير البيئي والمناخي، فإن الوضع لا يزال مخيفا.
ومن هنا فإن أزمة المياه التي يمر بها العالم ليست جديدة، بل ظهرت عمليا في مطلع ثمانيات القرن الماضي، مع تراجع مصادر المياه الصالحة للشرب في مختلف المناطق حول العالم، إضافة إلى التغييرات المناخية الخارجة عن السيطرة، إلى جانب عوامل كثيرة أخرى. لكن هذه الأزمة تتفاقم بقوة منذ أعوام، مع تواضع مستوى الاستثمارات التي تضخ في هذا القطاع الحيوي، ما دفع المختصين إلى التأكيد بأن الوضع الحالي للإمدادات المائية يتطلب مضاعفة الاستثمار بشكل مستمر ووتيرة منتظمة. وهذه النقطة ركزت عليها الجهات الدولية ذات الاختصاص، وعلى رأسها الأمم المتحدة، التي طرحت سلسلة متعددة من البرامج الإنمائية في العقد الأخير من القرن الماضي، بما فيها تلك التي تتعلق بإيصال مياه الشرب إلى مناطق التصحر، وتوفير شبكات مقبولة للصرف الصحي في دول لا تزال تعاني الأمراض الوبائية الآتية من المجاري المفتوحة.
التحذير الجديد من مغبة تفاقم شح المياه حول العالم، أتى في مؤتمر دولي عن المياه يعقد لأول مرة منذ أكثر من نصف قرن، وهذا يعني أن مسألة المياه لم تأخذ الاهتمام المطلوب طوال الفترة المشار إليها، رغم المخاطر الناجمة عنها، بما في ذلك إمكانية نشوب الخلافات بين الدول بل حتى الحروب بسببها. السؤال الأهم المطروح دائما هو لماذا هذه الأزمة الخطيرة؟ هناك عوامل كثيرة لها، من بينها ارتفاع الطلب نتيجة النمو السكاني، التطور الزراعي المدفوع بطلبات السوق المحلية والعالمية، تعرض بعض مصادر المياه للتلوث، وتراجع عمليات استخراج المياه الجوفية. وهناك عوامل أخرى، بما في ذلك نقص السياسات الإرشادية في استهلاك المياه بعدد كبير من الدول. وهذه النقطة مهمة جدا، حتى في الدول التي لا تعاني نقص الماء عموما.
تشير الدراسات الحديثة إلى أن ما لا يقل عن 1.2 نسمة حول العالم، يعيشون في مناطق تعاني شح المياه، إضافة إلى أن هؤلاء يعانون ندرة لنقص الاستثمارات، مع تراجع القدرات البشرية. وهذا العدد من البشر كبير للغاية، وهو في ازدياد خصوصا في مناطق لم تشهد أي تطورات تنموية على صعيد المياه. فرغم أن المياه تغطي 70 في المائة من مساحة الأرض، فليس على هذا الكوكب سوى 2.5 في المائة منها صالحة للشرب. وهذا يعني أنه لا بد من تفعيل البرامج وإطلاق مشاريع جديدة، للحد من توسع نطاق الشح المائي. وهذا الأمر يتطلب بالطبع تعاونا دوليا واستثمارات كبيرة، ستكون لها عوائد حياتية يحتاج إليها العالم بالطبع، إضافة إلى عوائد مالية إذا ما كانت تستند إلى أسس علمية وعملية.
وفق التقرير المهم الذي وضع أمام المؤتمر العالمي للمياه، فإذا لم يتم اتخاذ الإجراءات المحورية السريعة لمعالجة هذه المشكلة المتصاعدة، فإن ما بين 40 و50 في المائة من سكان العالم سيعانون نقص خدمات الصرف الصحي، وسيعاني نحو 20 إلى 25 في المائة شح المياه الصالحة للشرب. وهذه النسبة خطيرة بالفعل، وستكون أخطر، إذا ما أضفنا إليها الأعباء الآتية من الزيادة المتواصلة في أعداد البشرية على مدار الدقيقة وليس الساعة.
من هنا، ترتفع أصوات أجراس الإنذار من قبل الجهات المختصة، التي تعتقد أن الوقت يشكل العامل الأهم الآن لمواجهة تبعات المشكلات التي تواجه الإمدادات المائية، فضلا عن خدمات الصرف الصحي المرتبطة بها. فهذه الأخيرة بحد ذاتها تعد قضية بيئية صحية اجتماعية متفاقمة في مناطق واسعة حول العالم، خصوصا في الدول الفقيرة التي توصف بالأشد فقرا. الهدف الآن لدى الجهات الدولية المعنية، هو تفعيل حراك كان موجودا حقا، عبر تعاون دولي، والأهم من خلال الالتزامات الحقيقية للأطراف المعنية المتأثرة والمؤثرة في هذا المجال الحيوي.

إنشرها