لا علم له .. ويصر على النقد!!
لا تروق لي نظرية الانفجار الكوني الكبير.. ما رأيكم في هذا الكلام؟ مجرد رأي أليس كذلك؟ أليس من حقي أن أعبر عن آرائي وأن «أنتقد» ما لا يعجبني؟ البعض «القليل» سيقول: بالطبع من حقك، هذه حرية.. إلا أن آخرين «أتمنى أنهم كُثُر» سيتوقفون لوهلة ليسألوني سؤالا مهما: هل لديك إلمام بعلوم الفيزياء والفلك؟ ووقتها سيُسقَط في يدي وأُحرَج أيما إحراج، لأن جوابي الصادق سيكون: لا، لست ملمة بتلك العلوم. مما سيجعلهم يتبعون السؤال بآخر: إذن على أي أسس تنتقدين هذه النظرية؟ والجواب الصادق هنا: لا توجد أسس!!
وعندئذ كيف ستقيّمون رأيي في النظرية؟ هل يمكن أن تأخذوه على محمل الجد أو أن تعتبروه «نقدا»؟ لا أظن ذلك، يمكن أن تعتبروه انطباعات شخصية، أو انفعالات عاطفية، أو أهواء، أو مجرد رغبة في إثبات الوجود والتعبير عن رأي - أي رأي .. أشياء كثيرة يمكن أن تفسر مثل هذا الرأي .. والرغبة في النقد الموضوعي وحب الحق ليسا من ضمنها بكل تأكيد، لأن أحد أهم متطلبات النقد مفقودة: العلم بالشيء.
طبعا كل هذا يسبقه افتراض: أن الناقد له غاية من نقده «الإصلاح والنفع»، وبالتالي يهُمّه أن يكون نقده محترما لدى المتلقي، أي أن يؤخذ في الاعتبار ويكون ذا قيمة. ولعلنا نحتاج إلى مثال آخر يوضح المقصود أكثر: فلنقل إني قرأت كتابا جديدا عن السياسة الدولية، ولنقل أيضا إني أود نقده في مقال صحافي .. أليس من البديهي أن أكون خبيرة في هذا المجال؟ وإن لم أكن خبيرة ولكني مهتمة بالموضوع وأرغب في المشاركة فيه برؤية ما، أليس من البداهة أيضا أن أشرع في البحث والتعلم في هذا المجال وأسسه وتقاليده.. إلخ. حتى يكون نقدي مبنيا على فهم وبالتالي جديرا بالاعتبار؟ أما إن لم أكن خبيرة، ولست مستعدة للتعلم ولتوسيع أفقي فيه، فما الذي يحشرني إذن؟!
وإن أصررت على أن أكون «ناقدة» مع كل ذلك، فلعله يجدر بي أن أبدأ مقالي»النقدي.. الافتراضي» بجملة تحذيرية تحريا للصدق:»ما ستقرأونه اليوم ليس نقدا ولا رأيا مبنيا على علم، بل مجرد انطباعات وأفكار ومواقف مسبقة وأهواء، فاقرأوه كنوع من التسلية وليس بقصد الاستفادة».. أم أن هذا الاعتراف سيرد الناس عن قراءة المقال أو احترامه؟
يبدو كذلك، فالأحفظ لماء الوجه، والأنفع كذلك أن يكون النقد مبنيا على علم وفهم.. وهذا أول أصول النقد التي أشرنا إليها في المقال السابق، والبقية تأتي بإذن الله..