تقارير و تحليلات

بعد تخفيضات القوى العاملة .. هل تواجه البنوك الأمريكية أوقاتا عصيبة في 2023؟

بعد تخفيضات القوى العاملة .. هل تواجه البنوك الأمريكية أوقاتا عصيبة في 2023؟

بعد تخفيضات القوى العاملة .. هل تواجه البنوك الأمريكية أوقاتا عصيبة في 2023؟

قرر بنك مورجان ستانلي، الذي بلغت القيمة الإجمالية لأصوله المالية بنهاية 2021 نحو 1.118 تريليون دولار، التخلص من 2 في المائة من قوته العاملة، أي ما يقرب من 1600 شخص.
مورجان ستانلي لم يكن البنك الامريكي الوحيد الذي تبنى سياسة تخفيض أعداد العاملين لديه، ولم يكن استثناء من البنوك الأمريكية، إذ أعلن بنك باركليز بي إل سيتي وسيتي جروب وشركة جولدمان ساكس جروب إلغاء مئات الوظائف.
الخطوة التي اتخذتها مجموعة من البنوك الأمريكية بتقليص قوتها العاملة جزء من سلسلة من التدابير التي تعكس قناعتها بأن القطاع ربما يقبل على أوقات عصيبة هذا العام نتيجة الأوضاع الاقتصادية، وتوقعها بإصابة عديد من الاقتصادات المتقدمة، ومن بينها الاقتصاد الأمريكي، بركود اقتصادي، فمدخرات العملاء تنحسر إلى حد ما في بعض البنوك، والائتمان المالي يزداد، لكن بشكل ضعيف.
وانخفضت ودائع "جي بي مورجان" وبنك ويلز فارجو 3 في المائة في الربع الثاني، وارتفعت الديون المعدومة قليلا، وحالات التأخر في سداد قروض السيارات في تزايد.
دفع ذلك كله البنوك الكبرى إلى بناء بعض الحواجز لمواجهة التأثير المحتمل.
مع هذا يقول لـ"الاقتصادية" دي. موريسون الخبير المصرفي "المشهد الراهن للبنوك الأمريكية مختلط، حيث إن أرباح مجموعة من البنوك الرائدة تراجعت في الربع الثالث من العالم الماضي 2022، وهناك زيادة في الديون المتأخرة مع تراجع قدرة الاقتصاد الأمريكي، فأرباح بنك جي بي مورجان انخفضت 17 في المائة وبلغت 9.7 مليار دولار، لكن الإيرادات زادت 10 في المائة".
ويضيف "كما أن أرباح مجموعة سيتي جروب البنكية انخفضت 25 في المائة ووصلت إلى 3.5 مليار دولار فقط، وسجلت المجموعة انخفاضا 64 في المائة في عائدات الخدمات المصرفية الاستثمارية، أما بنك ويلز فارجو فقد تراجعت أرباحه أيضا 31 في المائة".
ويؤكد أن البنوك الأمريكية لن تكون المصدر المحتمل للأزمة المالية القادمة، مبينا أن المستهلكين يمكن أن يواصلوا قدرتهم الراهنة على الإنفاق على مدى الأشهر التسعة المقبلة قبل أن تنفد قوتهم الاقتصادية.
تتفق وجهة النظر تلك مع تقديرات بعض كبار رؤساء مجالس البنوك الأمريكية الذين قدروا المدخرات الفائضة لدى المستهلكين الأمريكيين بنحو 1.5 تريليون دولار نتيجة برامج التحفيز التي طبقت خلال جائحة كورونا.
مع هذا يشير عدد من الخبراء إلى أن أكبر خمسة بنوك في الولايات المتحدة تحتفظ بنحو نصف جميع الأموال في البنوك التجارية الأمريكية في حسابات التوفير وسوق المال.
وقد ظلت هذه الحصة ثابتة على الرغم من توافر معدلات أعلى على المدخرات المالية في أماكن أخرى، حيث أسفر هذا الوضع عن تعرض المودعين في الولايات المتحدة لما يقول الخبراء "إنها خسائر مالية ضخمة"، نتيجة مواصلة إيداع أموالهم في البنوك الأمريكية الكبرى.
ووفقا لتحليلات مالية حديثة، كان بإمكان المدخرين كسب 42 مليار دولار إضافية من الفوائد في الربع الثالث من العام الماضي، لو قاموا بنقل أموالهم من أكبر خمسة بنوك أمريكية وإيداعها في حسابات التوفير الأعلى عائدا في مؤسسات مالية أخرى، بينما تصل بعض التقديرات بخسائر المودعين خلال الأعوام الثمانية الماضية إلى نحو 600 مليار دولار، حيث إن البنوك الكبرى تدفع للمودعين فوائد على مدخراتهم المالية أقل مما يمكن أن يحصلوا عليه من مؤسسات مالية أخرى أقل شهرة أو قوة مالية.
لكن ما الذي يدفع المودعين إلى مواصلة إيداع أموالهم في البنوك التجارية الكبرى رغم أنه من الممكن أن يحققوا أرباحا أكبر إذا قاموا بإيداعها في مؤسسات بنكية أخرى؟
ترى جوليا كارلوس الاستشارية في بنك إنجلترا أن أغلب المودعين لا توجد لديهم خبرة مالية، ومن ثم يتخذون قراراتهم بناء على عوامل مثل قرب المصرف من منزلهم، ولا يعرفون أن هناك فرصا نقدية تضيع عليهم لعدم اختيار مصرف آخر أبعد قليلا عن المنزل، لكنه يقدم فائدة أعلى على الادخار، فالراحة والبساطة تدفعان بكثير من المودعين إلى خسارة المال.
وتقول لـ"الاقتصادية"، "إن الولاء يدفع كثيرا من المودعين إلى عدم تغيير بنكهم، على الرغم من أن البنك لا يدفع عمليا أي فوائد لهم".
وتضيف "هذا الوضع قد يبدو سلبيا ولا يصب في مصلحة المودعين أو المدخرين، لكن يضمن استمرار تمتع البنوك الكبرى بقوتها المالية والحفاظ على مكانتها الوازنة في النظام المالي، وهذا أمر شديد الأهمية للحفاظ على نظام مالي مستقر واقتصاد متزن".
تسود وجهة النظر تلك بين قطاع كبير من الخبراء، فالبنوك الكبرى في وول ستريت لا تتمتع بالضجيج الإعلامي ذاته لقطاع التكنولوجيا، مع هذا فعديد من المستثمرين يرون فرصا استثمارية قوية في هذا القطاع في الأجل الطويل، نظرا إلى الأساس القوي الذي يتمتع به القطاع المصرفي، وأن الأزمة الراهنة مؤقتة، ما يتطلب التحلي بالصبر.
إذن البنوك الكبرى في الولايات المتحدة، رغم المصاعب التي تواجهها الآن، لا تزال تمتلك عامل قوة يعزز مكانتها ليس فقط في الاقتصاد الأمريكي بل والاقتصاد العالمي.
الدكتور مايكل كوربات الاستشاري في مجال تطوير التقنيات المالية يرى أن عامل القوة لدى البنوك الأمريكية الكبرى يكمن في فهمها العميق لأهمية التكنولوجيا المالية وقدرتها على تغيير الاقتصاد العالمي وإحداث تغييرات سريعة في كيفية تلبية مزودي الخدمات للعملاء والأعمال.
ويؤكد لـ"الاقتصادية" أنه في البدايات أثبت صعود التكنولوجيا المالية أنه مزعج للقطاع المصرفي الأمريكي، فالجمود المالي والافتقار إلى البنية التحتية أحبطا كل من مزودي التكنولوجيا المالية والبنوك الكبرى معا.
ويضيف "لكن بينما يفتقر عديد من البنوك التقليدية في الولايات المتحدة إلى المرونة اللازمة لتحسين الخدمات واستغلال الفرص المتاحة في السوق بسرعة، فإن البنوك الكبرى نتيجة الودائع المصرفية الضخمة لديها، أفلحت في الاستجابة السريعة للتقدم التكنولوجي في القطاع المصرفي، وبذلك ضمنت ليس فقط مكانة رائدة في القطاع المصرفي الأمريكي أو العالمي، لكن الأهم التمتع بالجاذبية والقدرة على جذب مدخرات العملاء، حتى إن قدمت معدلات فائدة أقل في المقابل".
ويستشهد الدكتور مايكل كوربات بدراسة أعدت حديثا، كشفت أن 43 في المائة من البنوك الأمريكية الكبرى عام 2017 كانت تستخدم لغة برمجة COBOL التي يعود تاريخها إلى عام 1959 التي أنشئت قبل ظهور الإنترنت، والآن لا يوجد أي بنك من البنوك الأمريكية الكبرى يعول على هذا النمط التقني.
وفي الواقع فإن ارتكاز البنوك الأمريكية الكبرى في عملية التطوير على استخدام مزيد من التكنولوجيا المالية، مكنها من تحقيق هدفين رئيسين الأول يتعلق بخفض أعداد العاملين، والثاني يرتبط بقدرتها على توسيع نطاق قاعدة العملاء.
من هذا المنطلق تقول لـ"الاقتصادية" كاثرين سيفرت المحللة المالية في مجموعة نيت ويست المصرفية "عادة لا تصدر البنوك الكبيرة قروضا صغيرة، ويرجع ذلك إلى التكلفة الإدارية المطلوبة للحصول على ترخيص بهذا الشأن، والعائدات المنخفضة نسبيا على هذا النوع من الاستثمار، وكانت شركات التكنولوجيا المالية أول من استغل تلك الثغرة، إذ أحدثت ثورة في كيفية تقديم كبار المقرضين تلك الخدمة. والآن يتيح نظام الشراء الفوري ونظام الدفع لاحقا المتوافر على مواقع التجارة الإلكترونية للعملاء شراء المنتجات دون إدخال كثير من التفاصيل الشخصية أو المعلومات المصرفية، ويمكن للعملاء شراء أي شيء تقريبا مع خيار الدفع على أقساط".
ولعقود، عملت الخدمات المالية والتكنولوجيا بشكل مستقل، أما الآن فباتت الخطوط غير واضحة بين الطرفين وباتت التكنولوجيا المالية الوسيلة المثلى لمعالجة جوانب النقص في النظام المصرفي التقليدي، وهذا تحديدا ما يجعل البعض يرى أن المخاوف الراهنة لدى البنوك الكبرى في الولايات المتحدة من تضررها نتيجة الركود الاقتصادي أمر مبالغ فيه، طالما ظلت لديها القدرة على تمويل عملية تطوير قدرتها التكنولوجية لاكتساب قطاع أكبر من العملاء مع خفض المصاريف الإدارية في الوقت ذاته.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من تقارير و تحليلات