تقارير و تحليلات

تمويلات السعودية .. تعامل حصيف مع تحديات الفائدة وبروز للسوق المحلية كمصدر موثوق

تمويلات السعودية .. تعامل حصيف مع تحديات الفائدة وبروز للسوق المحلية كمصدر موثوق

لم يكن 2022 عاديا للقائمين على إدارة الدين العام في السعودية إحدى دول مجموعة العشرين، ففي هذا العام ارتفعت أسعار الفائدة وواجهت عدة دول تحديات في النفاذ لأسواق الدين الدولارية.
وأظهرت السعودية حصافة عالية في التعامل مع تلك التحديات وسط بروز أسواق الدين المحلية كمصدر تمويلي يعتد به، إبان التحديات الخارجية بالأسواق المالية.
وبعض عمليات التمويل للسعودية التي تمت في 2022 كانت تهدف لتمويل بعض المشاريع الاستراتيجية، ورغم تحديات رفع أسعار الفائدة وتذبذب الأسواق، فإن عام 2022 أوجد فرصا تمويلية للسعودية تم استغلالها من أجل تنفيذ عمليات تمويل استباقية تقود في نهاية المطاف إلى خفض الاحتياجات التمويلية لعام 2023.
صندوق النقد
وأشاد تقرير لصندوق النقد الدولي صدر في يونيو 2022 بالمنهجية المتبعة في إدارة الدين العام للدولة، إذ ذكر أن المملكة تنوي إعادة تمويل دينها القائم بدلا من استخدام عائدات النفط من أجل تسديد تلك الاستحقاقات.
وأشار التقرير إلى أن بعثة صندوق النقد الدولي، التي زارت المملكة تساند تلك الاستراتيجية، وهذه الاستراتيجية تشتمل على إطالة آجال الاستحقاقات من أدوات الدين وتخفيض تكاليف إعادة التمويل وبناء منحنى عائد في السوق المحلية والدولية.
ويعد انخفاض حجم الدين العام للسعودية أحد العوامل الجوهرية التي تؤدي إلى جانب عوامل أخرى إلى رفع التصنيف الائتماني للسعودية.
وبحسب رصد وحدة التقارير في صحيفة "الاقتصادية"، فإن وزارة المالية تتوقع بلوغ الدين العام نحو 951 مليار ريال في ميزانية 2023، بانخفاض 3.5 في المائة، مقارنة بحجم الدين لعام 2022 البالغ 985 مليار ريال، وذلك للمرة الأولى منذ 2014.
وقالت "موديز" في تقرير لها صادر في يونيو 2022 إن العوامل، التي قد تقود إلى رفع التصنيف الائتماني للسعودية تكمن في ظهور مؤشرات على انخفاض الدين العام، وعدم الاعتماد على دورة أسعار النفط أي عبر زيادة إيرادات الاقتصاد غير النفطي.
وثالث هذه العوامل، تنويع إيرادات الاقتصاد العام عبر قطاعات اقتصادية متنوعة وهذا ما ستحققه مشاريع الرؤية، فضلا عن تعزيز الموارد الوقائية للأمان المالي، أي احتياطيات البنك المركزي السعودي، وهذا ما تم العمل عليه في 2022.
وفي ديسمبر 2022، أكدت وكالة التصنيف الائتماني "موديز"، أن جهود التنويع الاقتصادي السعودي، تكتسب زخما متسارعا، وقد ينتقل عدد من المشاريع الضخمة، التي ترعاها الحكومة من مرحلة التصميم إلى مرحلة البناء.
وبحسب ما نقلته وزارة المالية، فإن الوكالة نشرت رأيها الائتماني عن الاقتصاد السعودي، وفقا لعدد من التقييمات، بينها النمو القوي للقطاع غير النفطي السعودي خلال عامي 2021-2022 بمتوسط 5 في المائة سنويا حتى الربع الثاني من 2022.
وذلك علاوة على تحسين الحكومة لفاعلية السياسة المالية العامة بالاستجابة لتذبذبات أسعار النفط، التي أظهرت التزاما بضبط الأوضاع المالية العامة، وتطوير استدامتها على المدى الطويل.
وأشارت الوكالة إلى قوة المؤسسات والحوكمة في السعودية، التي تعكس الفاعلية القوية للسياسات النقدية والاقتصاد الكلي.
الجهات الخليجية
وتقبل جهات الإصدار الخليجية على العام الجديد، وهي تضع نصب أعينها حركة عوائد سندات الخزانة الأمريكية وانعكاسات ذلك على تكلفة التمويل المحلية والخارجية.
وتستعين جهات الإصدار بعوائد الخزانة مع الجانب التسعيري للسندات والصكوك، التي يخططون لطرحها بالأسواق، فضلا عن انعكاس تذبذباتها على أدوات الدخل الثابت المقومة بالعملة المحلية بحكم ربط معظم عملات الخليج مع الدولار.
وفي الوقت الذي ينتظر استئناف الإصدارات خلال يناير المقبل، يسود بعض القلق بين جهات الإصدار بخصوص ارتفاع تكلفة التمويل من جراء رفع أسعار الفائدة.
ومن المنتظر أن يسهم ارتفاع أسعار النفط، واعتماد معظم الشركات الحكومية على تمويل أنشطتها من الأسواق الخارجية في جعل الجهات السيادية الخليجية تقلص من اعتمادها على أسواق الدين الدولية خلال 2023.
وأسهمت تقلبات أداء سندات الخزانة الأمريكية في إحداث بعض الإشكال على خطط الطرح للمصدرين الخليجيين في 2022.
وواجهت أسواق الدين الخليجية "فترات إصدار متقطعة"، التي تخللها توقف مؤقت عن الإصدار بسبب عدم مواءمة ظروف السوق، ومن ثم اقتناص نافذة إصدار موائمة، وذلك في إطار الواقع الجديد للتكيف مع حركة سندات الخزانة وارتفاع أسعار الفائدة.
وكانت سندات الخليج أقل عرضة للضغوط البيعية، مع العلم أن الجائحة جعلت بعض التقاليد "كالجولات الترويجية الخاصة بصفقات السندات الجديدة" شيئا من الماضي، واستبدلتها بتطبيقات المكالمات المرئية، التي تختصر الوقت المعتاد تخصيصه للمستثمرين، مقارنة بالاجتماعات وجها لوجه.
واستندت تحليلات الصحيفة حول أوضاع أسواق الدين الخليجية إلى منصة "ريد"، المختصة بالتحليلات المتعمقة عن أدوات الدخل الثابت بالأسواق الناشئة.

سداد أصل دين في 2022
واتبعت السعودية في 2022 منهجية "الاستدانة من أجل سداد أصل دين أي بعبارة أخرى القيام بإصدارات دين جديدة من أجل سداد أدوات دين يحين أجل استحقاقها في 2022 و2023، وتلك المنهجية تأتي ضمن إطار إدارة التزامات استحقاقات الديون.
وحل في 2022 أجل استحقاق لديون تقارب 76 مليار ريال من الديون المحلية والدولية.
وقامت السعودية في 2021 بإتمام عملية شراء مبكر لسداد جزء من مستحقات أصل الدين من 2022 بقيمة تجاوزت 33 مليار ريال، وإصدار صكوك محلية جديدة مقابلها، ما أدى إلى انخفاض إجمالي مستحقات أصل الدين لعام 2022 إلى ما يقارب 43 مليار ريال.
تمويل المشاريع في 2022
وقامت السعودية منذ 2022 بزيادة الإنفاق على المشاريع الحكومية الضخمة وتسريعها بعد تأثر خطط تنفيذها خلال جائحة كورونا، إلى جانب منظومة الدعم الاجتماعي لضمان حماية المواطنين من التأثر بالتداعيات المحلية والعالمية، ودعم السلع والخدمات الأساسية المستوردة.
وخلال 2022، نفذ المركز الوطني لإدارة الدين عملية شراء مبكر لسداد جزء من مستحقات أصل الدين المحلي للأعوام 2023، 2024، و2026، وإصدار صكوك محلية مقابلها.
وقام المركز باستغلال الفرص المتاحة خلال العام الحالي 2022 لخفض احتياجات التمويل لعام 2023 من خلال تنفيذ عمليات تمويلية مسبقة، حيث تسهم تلك العمليات في خفض مخاطر إعادة التمويل على محفظة الدين في ظل تقلبات الأسواق وأسعار الفائدة والحفاظ على متوسط عمر المحفظة.
القرض المجمع
والقرض المجمع، الذي حصلت عليه السعودية بقيمة 25 مليار ريال تم تسعيره بالفائدة الثابتة، وليس بالفائدة المتغيرة التي تتبع حركة السايبور.
ويعني تسعير التمويل المصرفي بالفائدة الثابتة أن خزانة الدولة قد تم تجنيبها دفع فوائد أعلى في حال تم تسعير القروض المصرفية بالفائدة المتغيرة، كما هو معهود به مع خطوط التمويل الخاصة بالقطاع المصرفي.
ووقعت وزارة المالية في 14 سبتمبر 2022 اتفاقيات تمويل مع عدد من البنوك المحلية بقيمة 25 مليار ريال لتنفيذ بعض مشاريع البنية التحتية المجدول البدء فيها في عامي 2023 و2024، بهدف تسريع دخول تلك المشاريع حيز التنفيذ.
وجاء توقيع هذه الاتفاقيات بترتيب من المركز الوطني لإدارة الدين اتساقا مع توجه وزارة المالية في تمكين ودعم مشاريع البنية التحتية الاستراتيجية في سياق تحقيق رؤية المملكة 2030.
وعلمت الصحيفة كذلك أنه تم تسعير تلك العمليات التمويلية، التي تمت في سبتمبر بتكلفة ثابتة، وبما يتسق مع تكلفة الاقتراض السيادي للحكومة السعودية.
وعن سبب تفضيل الإقراض المصرفي على حساب تأمين مبلغ 25 مليار ريال عبر سوق الدين المحلية، أشار تحليل لـ"الاقتصادية" إلى أن ذلك يأتي تماشيا مع التوجهات المعلنة عنها سابقا والخاصة بالاستفادة من الفرص التمويلية المتاحة لمختلف القنوات والأدوات تبعا لأوضاع السوق لتمويل بعض المشاريع الاستراتيجية والرأسمالية والبنية التحتية، التي يستغرق تنفيذها عددا من الأعوام، وذلك عبر عمليات التمويل الحكومي البديل، التي يعد الاقتراض المصرفي أحدها.
وأوضح التحليل، أنه رغم أن الاحتياجات التمويلية لـ 2022 تقارب 43 مليارا "تم تحقيق ذلك بنهاية مايو"، فإن سبب استمرار عمليات الاستدانة يرجع، بحسب ما تم إعلانه في بيان الميزانية وخطة الاقتراض السنوية للعام المالي 2022، إلى كون السعودية تسعى للاستفادة من الفرص المتاحة، حسب أوضاع السوق لتنفيذ عمليات تمويلية إضافية عبر مختلف القنوات التمويلية.
ومعلوم أن تلك الفرص التمويلية قد لا تتوافر مع 2023، ولا سيما مع الارتفاع المتواصل لأسعار الفائدة، وذلك بحسب رصد الصحيفة.
شراء مبكر لديون السعودية الدولارية
ونفذت السعودية في 2022 أول عملية شراء مبكرة لديون السعودية الدولارية.
وأظهرت وثيقة رسمية، حصلت عليها "الاقتصادية"، أن عمليات الشراء "لأدوات الدين الأربع" تم تنفيذها بين أسعار تراوح بين 99.53 و94.01 سنت للدولار "أي إن الشراء قد تم دون القيمة السوقية، الأمر الذي يحقق وفرة مالية لخزانة الدولة".
وعملية الشراء المبكر الدولارية، لو لم تحصل، لكانت السعودية اشترت تلك السندات عند قيمتها الاسمية، وهي 100 سنت للدولار عندما يحين أجل استحقاقها.
وعلمت "الاقتصادية" من مصادر موثوقة أن السعودية اشترت اثنين من سنداتها الدولارية بخصم يراواح بين 5.9 و5.6 في المائة من قيمتها الاسمية عند الإصدار، في حين اشترت سندين آخرين من المستثمرين بخصم أقل.
وأصدرت السعودية في أكتوبر أدوات دين دولارية بقيمة خمسة مليارات دولار، غير أن ما لفت أنظار المراقبين هو إطلاقها لأول عملية إعادة شراء مبكرة لأدوات دين دولارية سبق أن تم إصدارها في السابق، ويحين أجل استحقاقها في 2023 و2025 و2026.
وتصل القيمة الاسمية لأدوات الدين الأربع المزمع شراء بعضها إلى 15.5 مليار دولار، ونجحت أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم في بيع صكوك لأجل ستة أعوام، وسندات لأجل عشرة أعوام، وكلا النوعين مقوم بالدولار.
في الوقت نفسه، طلبت السعودية إعادة شراء سنداتها المستحقة في 2023 و2025 و2026. وتهدف هذه الخطوة إلى إطالة آجال استحقاق الديون الخاصة بالسعودية.
وقدمت المملكة عرض شراء نقديا لسندات تحين مواعيد استحقاقها خلال الأعوام الأربعة المقبلة، بينها سندات بثلاثة مليارات دولار مستحقة في 2023، وسندات بقيمة 4.5 مليار دولار مستحقة في أبريل 2025، وسندات بقيمة 2.5 مليار دولار مستحقة في أكتوبر 2025، وسندات بقيمة 5.5 مليار دولار مستحقة في 2026.
وأعلن المركز الوطني لإدارة الدين بالنيابة عن وزارة المالية، استكمال أول عملية إعادة شراء جزئي للسندات المقومة بالدولار الأمريكي والمستحقة في الأعوام 2023 و2025 و2026 بقيمة 1.268 مليار دولار "نحو 4.755 مليار ريال".
ويأتي هذا بعد إعلان المركز الوطني لإدارة الدين في 19 أكتوبر الماضي، حول ترتيبه لأول عملية إعادة شراء جزئي لسندات حكومة المملكة المقومة بالدولار، وإصدار صكوك وسندات مقومة بالدولار مقسمة على شريحتين تستحق في عامي 2028 و2032 على التوالي، بقيمة خمسة مليارات دولار.
وتعد العملية جزءا من خطة حكومة المملكة في الإدارة الفعالة لمحفظة الدين السيادي، التي تشمل الإدارة الاستباقية لمخاطر إعادة التمويل والاستحقاقات المستقبلية لمحفظة الدين.

وحدة التقارير الاقتصادية

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من تقارير و تحليلات