بأي قانون صدرت الصكوك؟

قررت هيئة سوق المال الموافقة على البدء في إصدار وتداول السندات والصكوك في السوق المالية السعودية. وطبقا لما أوردته تقارير الصحف المحلية فقد بدأت انطلاقة هذه الأوراق المالية الجديدة ابتداء من يوم السبت 20/6/1430هـ الموافق 13/6/2009، بأربعة إصدارات فقط، ثلاثة منها للشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك)، وإصدار واحد للشركة السعودية للكهرباء، كما أفادت بعض التقارير الصحافية أن إقبال الأفراد على شراء وتداول هذه الأوراق المالية الجديدة كان متواضعا جدا بسبب الشكوك حول شرعية السندات وعدم وضوح الوضع الشرعي للصكوك.
ولم تتضمن التقارير الصحافية توضيحا رسميا يوضح الفرق بين السندات والصكوك, ولكن يمكن الاستنتاج من قراءة تلك التقارير أن المقصود من مصطلح (السندات) هو (سندات القروض)، وأن المقصود من مصطلح الصكوك هو (السندات الإسلامية) أي السندات المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، ولم يشر في تلك التقارير إلى نوع هذه الصكوك، هل هي صكوك مضاربة أم صكوك إيجارة أم صكوك سلم أم صكوك استصناع أم صكوك صيغة أخرى من صيغ التمويل الشرعية؟ وفي رأيي أن من الأفضل أن تسمى هذه الصكوك بجميع أنواعها بسندات أو صكوك الاستثمار تمييزا لها عن سندات القروض، على أن يكون لكل نوع مسماه الخاص بحسب طبيعته وغرضه.
لا شك أن من شأن السماح بإصدار وتداول هذه الأوراق المالية الجديدة تنمية وتوسيع السوق المالية السعودية والبدء في تحويلها من سوق أسهم إلى سوق أوراق مالية متعددة الأنواع والأغراض، وهو أمر محمود ومطلوب, وسبق أن دعوت إليه في مقالات منشورة في جريدة ''الاقتصادية''.
ومن نافلة القول إن السماح بإصدار وتداول سندات القروض يستند إلى نظام الشركات الذي حددت أحكامه الشروط الواجب توافرها لإصدار هذه السندات وقواعد الاكتتاب فيها وتداولها. وفي مقالين منشورين في جريدة ''الاقتصادية''، الأول بتاريخ 12/9/1425هـ الموافق 26/10/2004، بعنوان (سندات المقارضة، كبديل لسندات القروض)، والثاني بتاريخ 14/11/1425هـ الموافق 26/12/2004 بعنوان (ليس لسندات القروض مشروعية) دعوت إلى إلغاء أحكام نظام الشركات المتعلقة بسندات القروض لأنها مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية بوصفها سندات قروض ربوية, واستبدال سندات المقارضة بها التي تقوم على أساس أحكام شركات القراض (المضاربة) المعروفة في الفقه الإسلامي, وأنه يمكن تقنين أحكام سندات المقارضة وتنظيمها من الناحية القانونية بحيث تكون كالأسهم تمثل وحدات متساوية القيمة غير القابلة للتجزئة وقابلة للتداول، ولكنها تختلف عن الأسهم على أساس أنها تصدر من أجل تمويل مشروع أو نشاط اقتصادي معين وتجعل المكتتب فيها شريكا مع الشركة المصدرة لهذه السندات وليس شريكا فيها, أي شريك مع الشركة في المشروع أو النشاط الذي صدرت من أجله هذه السندات.
ومهما يكن من أمر فإنه إذا كان من الجائز من الناحية القانونية (وليس من الناحية الشرعية) إصدار وتداول سندات القروض استنادا إلى أحكام نظام الشركات الحالي، فإنه يثور التساؤل، على أي أساس قانوني تجرى عمليات إصدار وتداول الصكوك (السندات الإسلامية)؟! هنا أجد نفسي مضطرا مرة أخرى إلى الإشارة إلى مقال نشرته في جريدة ''الاقتصادية'' بتاريخ 9/6/1427هـ الموافق 5/7/2006، بعنوان (صكوك سابك والفراغ التشريعي) حيث علقت فيه على الخبر الذي تداولته وسائل الإعلام آنذاك حول اعتزام شركة سابك طرح ولأول مرة صكوك متوافقة مع الشريعة الإسلامية بهدف تمويل مشاريعها التوسعية, وأن تلك الصكوك كانت تستهدف المؤسسات المالية والشركات الكبرى وشركات التأمين وصناديق التقاعد والصناديق المشتركة, وقلت في ذلك المقال ما يلي:
(إذا كانت الأسهم تصدر وتطرح للاكتتاب العام بناء على أحكام نظام الشركات، فعلى أي أساس قانوني ستطرح وتسوق الأوراق المالية الجديدة التي تنوي شركة سابك إصدارها؟! .. لا شك أننا نواجه فراغا تشريعيا في هذا الشأن.
والذي أراه أن الأوراق المالية أيا كان نوعها ليست سندات أو عقودا عادية وإنما هي صكوك قابلة للتداول ولها علاقة وثيقة بحركة الاقتصاد الوطني ونموه الذي يعتمد على حجم الاستثمارات التي ترتبط بدورها إلى حد بعيد يجذب ما تتطلبه تلك الاستثمارات من فوائض مالية لدى الأفراد، عن طريق طرح أوراق مالية مناسبة، الأمر الذي يتطلب توفير الحماية القانونية للمستثمرين في هذه الأوراق، ولذلك فإنه لا يجوز لأي شركة أن تصدر أو تسوق سندات أو صكوكا قابلة للتداول لمواجهة احتياجاتها التمويلية أو لتمويل نشاط معين أو عملية معينة أو لأي غرض آخر إلا بموجب نظام ''قانون'' يحدد الأحكام والشروط العامة لهذا النوع من الأوراق المالية والإجراءات الواجب اتباعها لإصدار هذه الأوراق وكيفية تداولها وحقوق والتزامات الجهات المصدرة والمستثمرين). ثم أضفت قائلا (وصفوة القول إنه يجب ألا تترك قواعد تنظيم إصدار الأوراق المالية أيا كان نوعها وأغراضها وطرحها للاكتتاب العام لاجتهادات الجهات المصدرة لها, بل لا بد من أن تكون محكومة بنظام يصدر طبقا للإجراءات القانونية المرعية. والنظام كما هو معروف لا يصدر في المملكة إلا بعد دراسته وإجازته من قبل مجلس الشورى ومجلس الوزراء ثم صدور مرسوم ملكي بالموافقة عليه).
ما قلته قيل ثلاث سنوات في مقالي السابق حول الفراغ التشريعي في مجال الصكوك مازال قائما، فمجلس هيئة سوق المال وافق على طرح وتداول صكوك مالية دون أن تكون منظمة ومحكومة بنظام صادر طبقا للقواعد القانونية المرعية. قد يقول قائل إنه يكفي أن تكون هذه الصكوك متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، وأرد على ذلك بما يلي:
أولا: إن الشريعة الإسلامية الغراء جاءت بمبادئ عامة وقواعد كلية بشأن معظم المعاملات المالية، ولذلك كان من الطبيعي أن تصدر اجتهادات متباينة للفقهاء المسلمين حول المسألة الواحدة، وتركت قواعد الشريعة السمحة لولي الأمر الحق في أن يختار الرأي الفقهي الذي يراه مناسبا ومحققا للمصلحة العامة, وأن يضع التنظيمات التفصيلية، في إطار مبادئ الشريعة وقواعدها العامة، على النحو الذي يتلاءم مع ظروف الزمان والمكان ومصالح البلاد والعباد.
ثانيا: ترتيبا على ما سبق فإن القانون الذي نطالب بتشريعه لتنظيم إصدار وتسويق وتداول هذه الصكوك يعد في الواقع تطبيقا للقواعد العامة المقررة في الشريعة الإسلامية، فإصدار هذا النظام أمر لازم وضروري فهو الذي يحدد أنواع هذه الصكوك وأغراضها, كما يحدد الجهة المختصة بالتدقيق والتأكد من توافق هذه الصكوك مع أحكام الشريعة الغراء, كما يحدد شروط وإجراءات إصدارها وتداولها, ويحدد أيضا القواعد المنظمة لعلاقة حملة الصكوك بالجهات المصدرة لها، ويحتكم إليه أصحاب الشأن عند الخلاف وتلتزم الجهات القضائية بتطبيقه على القضايا التي تعرض عليها بشأن هذه الصكوك. وكل دول العالم التي لديها أسواق مالية منظمة لا تسمح بطرح وتداول أوراق مالية إلا إذا كانت منظمة ومحكومة بقانون.
وفي الختام أشير إلى أن الفقرة (4) من المادة السادسة من نظام السوق المالية منحت مجلس هيئة السوق المالية صلاحية إبداء الرأي والتوصية للجهات الحكومية في الأمور التي يكون من شأنها المساهمة في تنمية السوق وحماية المستثمرين، ولذلك فقد كان على مجلس هيئة السوق المالية أن يعد مشروع نظام شامل ينظم ويحكم صكوك الاستثمار بجميع أنواعها ويرفعه إلى مجلس الوزراء لاتخاذ ما يلزم بشأن إقراره طبقا للقواعد النظامية المرعية في هذا الشأن، وأخلص من جميع ما سبق إلى القول إن قرار مجلس هيئة سوق المال بالموافقة على طرح وتداول صكوك قبل استصدار نظام خاص بها، يفتقر إلى المشروعية والنظامية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي