Author

تسرب المعلمين .. الفجوة كبيرة

|

أزمة نقص عديد من المعلمين حول العالم ليست جديدة، لكنها تفاقمت بشدة في أعقاب جائحة كورونا، التي بدلت كثيرا من مفاهيم العمل في كل الميادين. لكن السبب الرئيس لهذا النقص يبقى محصورا في النطاق المعيشي، ذلك لأن أغلب الدول لا توفر الرواتب الجيدة للمعلمين في كل المراحل، وتعد هذه الرواتب من الشرائح الأدنى مقارنة بغيرها في قطاعات عديدة أخرى. وتواجه بريطانيا حاليا على سبيل المثال سلسلة من الإضرابات في أوساط المعلمين للمطالبة برفع الأجور، ليس فقط لمواكبة التضخم، بل لأن الأجور في التعليم أصلا منخفضة حتى قبل الموجة التضخمية الكبيرة التي يشهدها العالم. ورغم محاولات المؤسسات التعليمية الحكومية تحسين الأوضاع، إلا أنها ظلت دون المستوى الذي يشجع الناس على دخول هذا السلك المحوري المهم، فضلا عن انسحاب أعداد كبيرة منه متجهة إلى ميادين عمل أخرى لا علاقة لها بالتعليم.
ومشكلة تسرب المعلمين باتت دولية، أي أنها تشمل الدول الفقيرة والناشئة وتلك المتقدمة، للسبب الرئيس نفسه، وهو انخفاض معدلات الرواتب. فوفق منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم "اليونيسكو"، فإن هناك نقص 69 مليون معلم في جميع أنحاء العالم، لتحقيق تعليم أساسي شامل بحلول 2030. وهذا النقص كبير جدا، فيما لو أخذنا في الحسبان أعداد التلاميذ والطلبة المتزايدة بصورة كبيرة كل عام. أضف إلى ذلك أن الحكومات حول العالم تعاني ضغوطا مالية كبيرة، تمنعها في الواقع من تلبية المطالبات برفع الأجور في كل ميدان، بما فيها التعليم بالطبع. ولأن الأمر كذلك، شهد العالم في الأعوام القليلة الماضية موجة من الاستقالات في أوساط المعلمين، أضيفت إلى موجة التقاعد الطبيعية كل عام. ورغم أن شريحة من هؤلاء يمكنها أن تستمر في العمل لأعوام قليلة بعد التقاعد، إلا أن المغريات بهذا الخصوص لا قيمة لها.
النقص في عدد المعلمين يشمل أيضا المراحل المتقدمة في هذا القطاع، بما في ذلك الجامعات ومراكز البحوث والدراسات. لكن النقص الأكبر يبقى في مراحل التعليم الأولي. فدولة كألمانيا - توفر إمكانات لا بأس بها للمعلمين - تحتاج إلى 25 ألف معلم بحلول 2025، والأمر ينطبق على دول مثل البرتغال والسويد وإيطاليا. وإذا كانت هذه الدول لا تعاني هجرة المعلمين إلى قطاعات أخرى، إلا أنها تواجه الحتمية التي لا يمكن تفاديها وهي التقاعد المستحق للمعلمين في كل المراحل الدراسية. ومن هنا، تخشى السلطات التعليمية في أغلب دول الاتحاد الأوروبي من تفاقم هذه الأزمة، بينما لا توجد حلول واضحة أو سريعة لها، لأن المسألة تدخل في نطاق إعداد المعلمين، ووجود الرغبة عند هؤلاء في دخول هذه الساحة. وعملية الإعداد في حد ذاتها تتطلب زمنا طويلا.
والمشكلة تأخذ شكلا خطيرا أيضا، عندما تضطر السلطات التعليمة إلى رفع عدد التلاميذ في الصف الواحد، لمواجهة نقص المعلمين. ورغم أن هذه المسألة ليست عميقة في الدول المتقدمة، إلا أنها تشهد تفاقما أيضا. والأزمة أكثر حدة في دول ناشئة أو فقيرة. وفق "اليونيسكو" هناك معلم واحد فقط مؤهل لكل 56 تلميذا في المرحلة الابتدائية في دول إفريقيا جنوب الصحراء، ومعلم واحد مؤهل لكل 55 طالبا في المرحلة الثانوية. لا تبدو هناك حلول سريعة لهذه الأزمة، ولا شك أن الحل الأمثل يبقى في جعل مهنة التدريس عموما أكثر جاذبية للخريجين، عبر توفير الدخل المالي الملائم، وربما رفع سن التقاعد للمعلمين. إلا أن النقطة الأخيرة ليست سهلة التنفيذ على كل حال.

إنشرها