أين خطة هجوم؟

لست خبيرة في كرة القدم .. إلا أني أعرف أن الخطة التي تعتمد على الدفاع فقط دون استراتيجية هجوم غالبا ما يكون مصيرها الخسارة .. ولعل هذا ينطبق على أمور أخرى في الحياة منها التعامل مع الناس على كل الأصعدة، فعلى سبيل المثال نجد في خلطة الناس تأثيرات كثيرة، فقد يتأثر الشخص بأفكارهم صالحها وطالحها أو بمشاعرهم وطاقاتهم إيجابية كانت أو سلبية.. فنحن في حالة تفاعل مع ما حولنا (عَلِمنا أم لم نعلم)، ولعل المرء تمر به لحظات من اليقظة - التي لا بد أن تعترينا من وقت لآخر - فيعيش فيها هذا المعنى ويلاحظه في حياته.
وحتى علوم الفيزياء الحديثة تشير إلى هذا المفهوم من خلال نظرية السوبر سترنغ التي تتحدث - في جانب منها - عن ماهية المادة. وما يعنينا منها هنا هو فكرة أن وحدة بناء كل الموجودات من جمادات وأحياء وغازات .. إلخ, هي واحدة (خيوط أو أوتار من الطاقة بترددات مختلفة باختلاف أشكال وخواص المواد). ومن تداعيات هذه النظرية (إن صحت، فهي  لا تزال تبحث وتطور): اتصال جميع المخلوقات ببعضها اتصالا حقيقيا فيزيائيا، واتصالا يقتضي تأثيرها المتبادل على بعضها، حتى أني أذكر أن أحد الباحثين الأمريكيين (الذي يدين بديانة التاو) قال في أحد كتبه إن خروج الناس عن الانسجام مع الكون وعن فطرتهم، وارتكابهم (الآثام، وهذا تعبيره) المادية والمعنوية يخل بتوازن الطبيعة مما قد ينتج عنه الزلازل والبراكين وغيرها.. وفي حين أن كلامه ذلك محض تأمل منه، وفي حين أني لا أجرؤ على تفسير القرآن لعدم تخصصي في هذا العلم، إلا أن قراءتي لذلك ذكرتني بالآية الكريمة :"ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون".
المهم أنه يبدو أننا كبشر متصلون ببعضنا وبالكون من حولنا (رغما عنا) ، وهذا الاتصال يعني أننا نتأثر لا محالة، كما نؤثر في ما حولنا بالضرورة، مما يستدعي التأمل..
وبالعودة لمثال كرة القدم فإن الاستراتيجية التي تقتصر على الدفاع - أي التأَثُّر أو السلبية التي تنتظر الهجوم (التأثير) لتتحرك استجابة له - هي استراتيجية ناقصة وفرصها في النجاح هزيلة جدا.. وينطبق هذا على الحرب والسياسة والصحة والعلاقات الاجتماعية إلخ.. فمثلا - وبالاستفادة من موقف قريب - يُذَكِّرنا خطاب أوباما الأخير لهذا الجزء من العالم بهذا المبدأ.. فالجو العام قبل الخطاب وبعده (وقبل ذلك بكثير للأسف) هو جو من الانتظار السلبي، لا حراك فيه إلا مقابل فعل من الطرف الآخر -في هذا المثال أمريكا, وحينها يُستقبَل الفعل بالرفض أو القبول.. أي أننا تجمدنا في مرحلة رد الفعل المستمر دون أي فعل إيجابي أو بلغة كرة القدم، دون خطة هجوم.وقبل أن يتهمني أحد بالعدوانية أو الإرهاب أقول: ليس هذا المقصود بالهجوم، بل المقصود أن تكون لدينا مبادرات وأفعال مؤثرة في اللعبة، أي وجود استراتيجية تشمل الدفاع ضد الاعتداء ولا تقتصر عليه، فهي تعتمد بالدرجة الأولى على الأفعال الإيجابية سواء على مستوى البناء الذاتي والتنمية أو على مستوى التعامل مع شركائنا – بالضرورة - في هذا العالم، والمستويان لا ينفكان طبعا.. فمن دون هذه الاستراتيجية الفاعلة الإيجابية سنظل في حالة انتظار وترقب، وتأَثُّر لا تأثير، وبذلك نكون تخلينا عن مسؤوليتنا في توظيف هذا الاتصال والترابط الكوني الذي يشير إليه الفيزيائيون توظيفا سليما.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي