سوق للصكوك والسندات تحدث نقلة ائتمانية

إن موافقة هيئة السوق المالية السعودية على إنشاء أول سوق لتداول الصكوك والسندات في المملكة، تعد خطوة على الطريق الصحيح للارتقاء بأداء السوق المالية في المملكة العربية السعودية، التي ظلت لفترة طويلة من الزمن تعاني شحا كبيرا في توافر منتجات وأدوات مالية متعددة الأهداف والأغراض الاستثمارية والتمويلية، الأمر الذي تسبب في تركز استثمارات السوق في تداول (بيع وشراء) الأسهم فقط، ما تسبب في محاصرة السيولة المتداولة في السوق، وتركز تعاملات المستثمرين في سوق واحد فقط، وفي ورقة مالية يتيمة.
إن إنشاء سوق لتداول الصكوك والسندات تتسق تماماً مع الخطوات والقفزات الرائعة التي انتهجتها هيئة السوق المالية، المتمثلة - كما أسلفت - في الارتقاء بأداء السوق وتحويلها إلى سوق مالية بمفهومها الواسع والشامل تكتمل فيها المكونات والدعائم الأساسية لقيام سوق تتنوع فيها قاعدة المنتجات الاستثمارية والتمويلية، حيث سبق ذلك الإجراء موافقة مجلس الوزراء السعودي في آذار (مارس) 2007 على تحويل "تداول" إلى شركة مساهمة مملوكة بالكامل لصندوق الاستثمارات العامة، الذي اكتتب في جميع أسهم الشركة البالغة 120 مليون سهم متساوية السعر، وبقيمة إجمالية وصلت إلى 1.2 مليار ريال، كما أن قرار إنشاء سوق لتداول الصكوك والسندات في المملكة جاء متناغما تماماً مع مطالبة مجلس الوزراء السعودي في وقت سابق بإسراع الجهات المالية المختصة في البلاد، بتعميق السوق الثانوية للأوراق المالية وإنشاء سوق ثانوية للسندات، ليساعد ذلك على إطلاق سوق أوراق مالية متطورة قادرة على جذب الرساميل وتوجيهها التوجيه الاقتصادي والاستثماري الأمثل نحو مختلف قطاعات وأنشطة الاقتصاد الوطني.
المختصون بأسواق المال، يتوقعون أن إنشاء سوق لتداول الصكوك والسندات، إلى جانب كونه سيحدث نقلة نوعية على المستوى الاستثماري، فإنه سيحدث كذلك نقلة ائتمانية في سوق الائتمان السعودي، ولا سيما أن حجم إصدارات الصكوك في المملكة لا يتجاوز في أحسن حالاته نسبة 10 في المائة من إجمالي حجم سوق الدين في المملكة، كما أن الوقت لإطلاق مثل هذه السوق يعد مناسبا للغاية لكون الاقتصاد السعودي يعيش في الوقت الحاضر حالة من الطفرة الاقتصادية رغم وجود أزمة مالية عالمية ستتطلب ضخ مبالغ كبيرة في شرايين الاقتصاد السعودي، لتمويل المشاريع التنموية العملاقة التي تنوى الحكومة تنفيذها خلال السنوات القليلة المقبلة بمشاركة القطاع الخاص، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، مشاريع سكك الحديد، مشاريع الطاقة المختلفة، ومشاريع البنى التحتية المتعددة.
كذلك يتوقع المختصون لسوق تداول الصكوك والسندات في المملكة، أن يشهد نجاحا منقطع النظير، لكون السعودية وفق رأي شركة أمريكية متخصصة في الاستشارات الإدارية (آرثر دي ليتل) تستحوذ في الوقت الحاضر على نحو 40 في المائة من تركيزات الأصول الإسلامية على مستوى أسواق التمويل الإسلامي، إضافة إلى ذلك في رأيي أيضاً أن السوق السعودية ليست بحديثة عهد في التعامل بالصكوك والسندات، حيث يعود تاريخ سوق السندات، على سبيل المثال، في السعودية إلى عام 1998، عندما تم إصدار أول مجموعة من السندات في السوق السعودية لتغذية عجز الميزانية العامة للدولة، أما بالنسبة لسوق الصكوك فقد بدأت انطلاقته الحقيقية في السعودية في عام 2006 عندما أصدرت شركة سابك أول إصدار لها في عام 2006 بمبلغ ثلاثة مليارات ريال، ومن ثم توالت الإصدارات لشركة سابك وشركات مالية وعقارية أخرى إلى أن تجاوز حجم وقيمة الإصدارات مبلغ 27 مليار ريال سعودي.
بالرغم من الأهمية الاقتصادية والاستثمارية لبدء عمل سوق لتداول الصكوك والسندات في السعودية، إلا أنه في رأيي كانت بداية الانطلاقة مستعجلة بعض الشيء لغياب الجانب التوعوي على مستوى أفراد المجتمع، بالذات المتعلق بكيفية التعامل مع هذا السوق، ومع هذه الأوراق المالية المتطورة، ولا سيما أن التعامل مع مثل هذه الأوراق المالية، يتطلب توافر مستوى ثقافة مالية واستثمارية معينة لدى المتعاملين، تختلف إلى حد كبير مقارنة بالتعامل مع الأسهم، وبالذات بالنسبة للتعامل مع الصكوك، وبالذات في ظل الجدل القائم حول مدى التزام الصكوك بالأحكام الشرعية، وأيضا في ظل القصور في ثقافة أدوات التمويل الإسلامي لدى أفراد المجتمع، والتراجع الواضح في إصدار الصكوك في منطقة الخليج خلال العام الماضي، ومن هذا المنطلق كان من المفترض في رأيي، أن تتبنى هيئة السوق المالية في السعودية، تطبيق برنامج توعوي قبل انطلاقة السوق، يتم من خلاله توعية أفراد المجتمع السعودي والمتعاملين في السوق بطبيعة الاستثمار في الصكوك والسندات، بما في الخصائص المختلفة لهذه الأوراق المالية، بحيث يتم توافر القدر الكافي من الوعي لدى المتعاملين في السوق بماهية التعامل مع هذه الأوراق المالية، ما سيساعد بشكل كبير في تجنيب السوق والمتعاملين فيه من حدوث انتكاسات محتملة، وكما حدث بسوق الأسهم في الماضي، بسبب غياب الوعي الاستثماري، وثقافة السوق.
خلاصة القول، دون أدنى شك، أن انطلاقة سوق لتداول الصكوك والسندات في السعودية، يعد توجها حكيما، لكونه سيصب في نهاية الأمر في مصلحة الاقتصاد الوطني وفي مصلحة المتعاملين في سوق المال المحلي، ولا سيما أن السوق ـ كما أسلفت ـ كانت تعاني في الماضي شح توفر تعدد الأوراق والأدوات المالية، ما تسبب في تركز الاستثمارات في سوق الأسهم، ولكن في رأيي أن ضعف الجانب التوعوي والإعلامي بطبيعة سوق السندات والصكوك، وبخصائص الاستثمار في مثل هذه الأوراق المالية المتقدمة، قد يعرض السوق والمتعاملين في السوق، لا سمح الله لعواقب غير محمودة، وكما حدث في سوق الأسهم في وقت سابق. ومن هذا المنطلق، فإنني أناشد هيئة السوق المالية و"تداول" بتكثيف حملات التوعية خلال الفترة المقبلة، المرتبطة بالتعامل مع سوق الصكوك والسندات، بما في ذلك توضيح الفوائد والمزايا والسلبيات، بحيث نتمكن من تجنيب السوق الوقوع في انتكاسات محتملة، كفيلة بأن تعصف بالسوق وبمقدرات ومكتسبات المتعاملين فيه، وبالله التوفيق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي