Author

اتركوهم في حالهم

|

تستمر متلازمة التنافس بين الأجيال قائمة، ولعل من يتابع حال المجتمعات يكتشف هذا الواقع، هي ليست أزمة محلية أو ظاهرة محصورة في زمان أو مكان، وإنما هي من طبيعة البشر. السابقون يرون أنهم خير من اللاحقين، كما يرى اللاحقون أنهم أعلم وأعرف من السابقين لتستمر التحديات والتأزيم بين الأجيال.
لعل أشهر ما ينتشر عندنا اليوم هو عبارة "جيل الطيبين"، الذي يحدده كل جيل حسب رغبته وليس بتاريخ محدد. الأصح أن لكل جيل ووقت ظروفا ومزايا وطبيعة تختلف عن الآخر، وهذا يوجد نوعا مختلفا من الشخصيات وفئات مختلفة من التصنيفات التي قد تكون متسرعة في الأجيال الشابة وأقل تعجلا لدى الكبار، لا يحكم ذلك أمر سوى الخبرة واختبار ظروف مختلفة في كل حال ومع مرور الأعوام والعقود على الفئة التي نتحدث عنها.
يمكن اليوم الحديث عن الفروق الكبيرة في مجالات العلم والتقنية، وهي ميزة أحسبها للأجيال المقبلة أكثر تأثيرا وتمييزا إن استمرت الحياة على ما هي عليه، وهذا ما يشك فيه كثير من علماء التاريخ والمتشائمين من بني البشر. يبقى التميز الإنساني الذي يختلف عليه الجميع وينسبه كل منهم إلى مجموعته أو بيئته أو بني جلدته.
إذا اقتنعنا أن لكل منا حقه في تبني ما يراه مناسبا لحياته وسعادته، فعلينا أن نتيقن أن من يعيش زمنا أطول لديه فرصة أفضل لاتخاذ القرارات بناء على الخبرة التي اكتسبها، ولن يتفق الجميع على فكرة أو سلوك أو أسلوب حياة معين، فذلك رهن بالخبرات التي عاشها كل منهم.
يظهر لنا اليوم كثير من صغار السن وهم يتولون دور الناصح لمن يكبرونهم خصوصا من بلغوا سن التقاعد، فيأتي من يطالبهم بالسفر والحصول على كل فرص الحرية البدنية والذهنية، ثم يأتي آخر ويدفع بهم إلى المساجد والانطواء والبحث عن الأركان المظلمة للوجود فيها، ويأتي ثالث لينتقد محاولات الظهور بمظهر جميل ولائق وتبني أسلوب حياة يتفاعل مع الواقع الذي يعيشه الواحد في بيته وحيه ومجتمعه. يظهر كل يوم منظر جديد، ولم يفطن هؤلاء إلى أنهم أصغر سنا وأقل معرفة، وأكثر تطرفا في النظر إلى الآخر ومعرفة ظروفه وما يناسبه.
أقول... دعوا كبار السن ليعيشوا حياتهم كيفما أرادوا، فهم أعرف بأنفسهم وليلتفت كل منا إلى حاله ويدع الآخرين في حالهم.

إنشرها