Author

التجارة أم الوظيفة؟

|
الحصول على إجابات أسئلة الحياة أو الذات هو أحد ملامح النضج، ويبدو لي أن تمييز الأسئلة الخاطئة من الصائبة قبل البحث عن الإجابات هو أيضا من ملامح الخبرة الحياتية المتراكمة.
قبل فترة ليست طويلة تنمر أحد الشباب الذي يقدم نفسه كمتخصص في التجارة الإلكترونية على الناس الذين لا يتبعون نهجه، كانت كلماته مستفزة، وطريقته في تسويق نفسه أو تجارته ليحذو الآخرون حذوه هي وصف كل من لا يستغل التجارة الإلكترونية ويبحث عن وظيفة بأوصاف لا تليق.
ربما هي فورة الشباب، أو غرور النجاح، أو سطوة المال، ولعله مع تقدمه في العمر، وإدراكه معاني أعمق في الحياة، وتفكره في أحوال الناس يستدرك مستقبلا ويعرف أن هناك دائما ما هو أبعد وأعمق من الصورة التي يراها.
أعترف أنني كنت ممن يطرحون سؤالا خاطئا حول العمل والرزق، كنت أطرحه وأناقشه في كتاباتي، ثم عدلت عن سؤالي واستغرابي مع الوقت، لأنني اكتسبت من الاطلاع وخبرة الحياة ومخالطة الناس منظورا جديدا للموضوع.
كنت أسأل بحماس لماذا يبحث الشباب عن وظائف مرهقة وبأجور منخفضة ولديهم فرص كسب أفضل في أعمال حرة مثل سوق الخضار أو سوق الجوالات تدر عليهم في أيام معدودة ما يعادل راتب شهر كامل؟
كنت أيضا أشفق على موظفي الأمن الخاص مثلا، عندما أراهم يعملون ساعات طويلة بأجر زهيد، وكنت أقول لو أمضى هذا الواقف على رجليه طوال اليوم ساعتي الفجر في سوق الخضار لأصبح ملك نفسه و"عين خير".
المسألة ليست بهذه البساطة، إنها بالتيسير المأخوذ من " كل ميسر لما خلق له " فكثيرون لا يملكون القدرة التي نتوقعها، فالمسألة ليست استيقاظا مبكرا وذهابا إلى سوق الخضار، أو فتح متجر إلكتروني، إنها تتعلق بـ"الكاريزما"، والنفسية، والحضور الشخصي، والطموح، وأشياء أخرى كثيرة، ولو كان الأمر سهلا لذهب الجميع، ولو ذهب الجميع لشغرت الوظائف متدنية الأجر إلى درجة تضاعفت معها الأجور وجذبت الجميع إليها مجددا.
لو أصبحنا كلنا تجارا لما وجدنا موظفين وعمالا لإنجاز أعمالنا في أي مجال كانت، وهذا لا يعني إحباط الحالمين، لكنه يعني المواءمة بين الواقع والحلم على المستويين المعيشي والاقتصادي. يقول المولى عز وجل في سورة الزخرف، "نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمت ربك خير مما يجمعون"، وتأمل هذه الآية وقراءة تفسيرها يعطيان إجابات رائعة لأسئلة العمل والمعاش وتفاوت قدرات الناس.
إنشرها