الأمن الغذائي العربي.. جزء من الأمن الوطني
قال الله تعالى: "فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف". أكاديميا, يتوافر الأمن الغذائي عندما يحصل جميع الناس في جميع الأوقات على ما يكفي من أغذية آمنة ومغذية لتلبية احتياجاتهم التغذوية اللازمة لممارسة حياتهم الاعتيادية ويتفق المختصون أنه لا يمكن إقامة الأمن الغذائي إلا إذا توافر الأمن السياسي والاجتماعي، ونحمد المولى عز وجل أننا لسنا من المناطق التي تصنف الصراعات فيها على أنها "حروب طعام" أو فقر ومجاعة كالكثير من الصراعات الحديثة في منطقة دارفور السودانية وفي منطقة القرن الإفريقي التي تشمل نزاعات مسلحة في إثيوبيا وإرتريا والصومال والكونغو, أو كما يظهر في تمزق العائلات التي شردها القتال الدائر في العراق وأفغانستان, حيث إن مستوى ما تسببه الحروب من انعدام الأمن الغذائي يرتفع في دول محددة حيث يصل إلى 25 في المائة في السودان و43 في المائة في تانزانيا و70 في المائة وأكثر في كل من أفغانستان وبوروندي والكونغو الديمقراطية "زائير سابقا" والصومال, وتعد كل هذه الصراعات على أنها حروب طعام، وهي قضية مخجلة خصوصا لدى إداريي العالم المتقدم بمنظماته المختلفة وهو الذي لم يتوان عن حرق الكثير من منتوجات المحاصيل الزراعية حتى تتسنى له السيطرة على مسألة العرض والطلب خصوصا في ظل التطور المتسارع الذي يشهده العالم في عديد من المجالات, على أن للطعام ثقلاً أخلاقياً هائلاً في مجتمعنا وتقاسمه هو جزء من تاريخ طريقة حياتنا, ولا شك أن التأكد من أن لدى الجميع ما يكفي من الطعام هو ركن أساسي من المبادئ الدينية التي عايشناها جميعا منذ الصغر, ولا يبعث على السرور أن يقفز مثل هذا المصطلح إلى مجتمعنا الخليجي الإسلامي المتكافل منذ القدم, على أنه لا مناص أن يكون الموضوع ممتدا ليشمل قضية الأمن الغذائي على مستوى الوطن العربي, وعلى عكس المعطيات المذكورة أرى أننا محتاجون لاستهلاك كميات أقل من الطعام, وإذا كان الغذاء هو ما يتعاطاه الإنسان يوميا من الغذاء ليستعيد به طاقته أو يجددها، حيث يعد نوع غذاء الإنسان من مولده إلى شيخوخته من أهم العوامل التي تؤثر في صحته الجسمانية والعقلية فنوعية الغذاء هي التي تحتاج إلى دراسة لا كميتها.
وعلى صعيد الأمن الغذائي العربي فقد كان للسعودية موقف مشهود بحكم موقعها القيادي في العالمين العربي والإسلامي وحجم مواردها ومساحتها المترامية الأطراف التي دفعت إلى وضع خطة جديدة لتحقيق مفهوم الأمن الغذائي العربي الذي يعد ركيزة أساسية من مقومات الأمن الوطني المتكامل, وقد تلقت السعودية - التي أعلنت أنها تركز على الغذاء الذي لا يمكن زراعته في السعودية أو يحتاج إلى موارد مائية كبيرة - أول دفعة من الأرز ينتجها مستثمرون محليون في الخارج في إطار مبادرة الملك عبد الله للاستثمار الزراعي السعودي في الخارج, وبدأ القطاع الخاص الزراعي السعودي تحركا جديا بعد أن اتخذت القرارات الصائبة بتقليل الرقعة الزراعية للحفاظ على المياه وبدأ المستثمرون الزراعيون السعوديون في البحث عن فرص استثمار خارجي والتوجه إلى زراعة الحبوب والمحاصيل في دول عربية أخرى كالسودان ومصر وبما يحقق الأمن الغذائي العربي والسعودي ويوفر سلعا غذائية بأسعار مناسبة, حيث اتفق مستثمرون زراعيون سعوديون مع نظرائهم في السودان على إنشاء شركة زراعية لاستثمار الأراضي الزراعية وتصدير منتجاتها إلى السعودية، وحيث يتضح من التطورات الاقتصادية والاجتماعية التي سادت الوطن العربي عموما في العقود الماضية أنها أثرت في قطاع الزراعة والغذاء في هذه المنطقة وأصبح العالم العربي يواجه مشكلة حادة تتنامى حسب وتيرة سريعة تتمثل في تدني مستوى الاكتفاء الذاتي وتزايد الاعتماد على المصادر الأجنبية لسد احتياجاته من الغذاء, وتحمل هذه المشكلة في طياتها احتمالات خطيرة قد تحولها إلى أزمة حقيقية في حال حدوث نكسات أو هزات في الظروف الاقتصادية والطبيعية العالمية تتسبب في نقص أو انقطاع الإمدادات الغذائية من الأسواق العالمية أو ارتباك وصولها إلى الدول المستوردة, وتتصدر مسألة التنمية الزراعية قائمة أولويات التنمية الشاملة بالذات في الوطن العربي، حيث يعزى ذلك إلى تنامي العجز الغذائي وتفاقمه رغم الإمكانات والطاقات البشرية والموارد الزراعية والمالية المتاحة, ثم يأتي بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون, ويتبادر إلى الذهن التساؤل التالي: هل نجم العجز الغذائي العربي عن معوقات طبيعية أم عن عدم تكافؤ الموارد الزراعية مع الموارد البشرية، حيث أصبح الوطن العربي ينتج أقل مما يستهلك أو يستهلك أكثر مما ينتج؟ ولأن قطاع الزراعة ما زالت مكانته مهمة في اقتصادات كثير من الأقطار العربية خاصة في توفير المنتجات الغذائية لإشباع حاجات السكان وخلق فرص عمل لشريحة واسعة من السكان وتوفير المدخلات الوسيطة للعديد من الصناعات التحويلية، إضافة إلى مساهمته في مصادر النقد الأجنبي من خلال إنتاج سلع قابلة للتصدير, لكن يلاحظ تراجع السكان الزراعيين في البلدان العربية في الآونة الأخيرة ولو بنسب متفاوتة, وقد يرجع ذلك إلى التقدم الاقتصادي النسبي والتطور التقني والصناعي الذي شهدته دول المنطقة أخيرا مما أدى إلى تناقص الأهمية النسبية لليد العاملة في قطاع الزراعة وتحولها إلى القطاعات الأخرى, في حين يبقى العامل التوعوي مهما بأهمية هذا القطاع, وأود أن أؤكد على أن الزراعة كانت أحد القطاعات المهمة التي اعتمد عليها الاقتصاد الخليجي منذ القدم إلى جانب مهنة الغوص ولم يبدأ الخليجيون في التخلي تدريجيا عنها إلا عند اكتشاف النفط, فالحقل الزراعي مهم للغاية خصوصا في ظل وجود التخصصات الأكاديمية في هذا المجال وأن الأجيال الخليجية الشابة لمدعوة للانخراط في هذا المجال دون ترفع من أجل تحقيق التنمية الزراعية المنشودة ومن أجل مواصلة ما بناه الآباء والأجداد بعرقهم وجهدهم.
في الجانب الآخر, لقد ارتبطت مشكلة أخرى بقضية الأمن الغذائي الخليجي وهي الأمن المائي, فلا يمكن تحقيق الأمن الغذائي خصوصا عند الحديث عن مسألة الاكتفاء الذاتي وبعث القطاع الزراعي إلا بالسيطرة على الأمن المائي, وتفيد الدراسات أن الأمن المائي غدا هما لدى كل الدول العربية ومن ضمنها الدول الخليجية والتي تعد الأغنى نسبيا وتعتمد على تحلية مياه البحر ذات التكلفة الباهظة الثمن, ومن المعروف أنّ دول الخليج تعتمد على مصدرين للمياه وهما المياه الجوفية وتحلية مياه البحر، وهما يشكلان المصدر الرئيس للمياه في الخليج الذي يستهلك قطاعه الزراعي من هذه المياه في حدود 85 في المائة، ومن المتوقع أن يصل نقص المياه في دول الخليج العربي بحلول 2015 إلى 47 مليار مترمكعب، ولكن سيكون المتوافر وقتذاك 21.5 مليار مترمكعب وهو ما يعني تفاقم عجز المياه في هذه الدول مستقبلاً، ندعو الله ألا تكون منطقة الخليج خلال الـ 25 عاماً المقبلة من ضمن أسوأ المناطق التي تواجه أزمة مياه في العالم فهذه القضية مرتبطة بشكل وثيق بالأمن الغذائي وبالتنمية الاقتصادية.
كاتب اقتصادي ـ البحرين
1