تقارير و تحليلات

مستقبل ضبابي أمام شركات التكنولوجيا .. لا حصانة من الضغوط والمخرج في الاستثمارات

مستقبل ضبابي أمام شركات التكنولوجيا .. لا حصانة من الضغوط والمخرج في الاستثمارات

مستقبل ضبابي أمام شركات التكنولوجيا .. لا حصانة من الضغوط والمخرج في الاستثمارات

على الرغم من التداعيات السلبية لوباء كورونا على الاقتصاد العالمي، فإن شركات التكنولوجيا ازدهرت مع الجائحة، وباتت واحدة من أكثر القطاعات استفادة مما حدث، لكن الآن تبدو تلك الوضعية المميزة محل تحد، فكثير من السكان يعودون إلى العمل ويقضون وقتا أقل في المنزل على الأقل مقارنة بالساعات والأيام الطويلة التي اعتادوا على قضائها في منازلهم خلال عامي الوباء.
هذا التغير يعد من وجهة نظر الخبراء السبب الرئيس في أن قطاع التكنولوجيا مني بخسائر فادحة منذ بداية العام، بحيث يخشى المستثمرون حاليا من أن الشركات التي عزز الوباء معدلات الربحية لديها بدأت تفقد زخمها، خاصة بعد تصريحات جيف بيزوس المدير التنفيذي لشركة أمازون، من أن الطفرة التقنية التي شهدها الوباء ستنتهي قريبا.
وشركة أبل على سبيل المثال، وهي الشركة الأكثر تداولا بين شركات التكنولوجيا من حيث القيمة، شهدت تراجعا في رأس مالها السوقي بأكثر من 220 مليار دولار في النصف الأول من أيار (مايو) الماضي، وذلك عندما رفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية.
وفقدت الشركة في وقت سابق من هذا العام مكانتها باعتبارها الشركة الأكثر قيمة في العالم، ما أسهم في انخفاضها 13 في المائة في مؤشر ناسداك في نيسان (أبريل) الماضي، كما تراجعت بأكثر من 30 في المائة عن أعلى مستوياتها القياسية في العام الماضي.
وخلال ثلاث جلسات تداول في مايو ونتيجة التغيرات في أسعار الفائدة الأمريكية، فقدت شركات: أبل وأمازون ومايكروسوفت وجوجل وميتا - الشركة الأم لفيسبوك – ما يزيد على تريليون دولار أمريكي من قيمتها، وقدرت تقارير أمريكية خسارة تلك الشركات منذ بداية العام حتى الأسبوع الثالث من مايو الماضي بنحو 2.7 تريليون دولار، أي ما يوازي الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد البريطاني، الذي يحتل المرتبة الخامسة عالميا.
وبينما تستعد شركات التكنولوجيا الكبرى في الولايات المتحدة لإصدار تقارير أرباحها الفصلية خلال الأيام المقبلة، فإنه من الواضح أن الأخبار السلبية تحلق في الأفق، إذ أعلن عديد من الشركات تباطؤا في التوظيف وتسريح العمال.
وقال لـ"الاقتصادية" بول دمين المحلل المالي في بورصة لندن، "إن الوقت الراهن ليس من الأوقات الرائعة لشركات التكنولوجيا، ولا توجد شركة تكنولوجيا محصنة ضد الضغوط الناجمة عن رفع أسعار الفائدة، وارتفاع معدلات التضخم، وتباطؤ النمو الاقتصادي، واحتمالات الركود".
وتابع قائلا "في الأغلب ستنفق شركات التكنولوجيا أقل في الفترة المقبلة، وسيتم تخفيض الميزانيات، والمرجح أن تتوقف عن التوظيف، والمؤكد أن الربع الثالث من هذا العام لن تكون نتائجه طيبة".
ربما يكون ذلك السبب الرئيس حاليا لعمليات البيع الضخمة في سوق الأسهم عالية النمو، وعديد من تلك الأسهم يوجد في صناعة التكنولوجيا، حيث يقوم المستثمرون بنقل استثماراتهم وأموالهم إلى المناطق الآمنة نسبيا في السوق الأمريكية، وسط توقعات بنقلها إلى خارج الولايات المتحدة، خاصة مع اتجاه أغلب الخبراء إلى الاقتناع بأن الاقتصاد الأمريكي سينزلق إلى الركود في الـ12 شهرا المقبلة إذا ما واصل مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي رفع أسعار الفائدة.
وتشير التحركات في البورصة الأمريكية تحديدا إلى أن مستثمري التجزئة الذين يتداولون بشكل فردي في سوق الأوراق المالية يفقدون اهتمامهم تدريجيا بشركات التكنولوجيا، وخلال جائحة كورونا تم تداول نحو 25 في المائة من الأسهم من قبل مستثمري التجزئة، وأغلبهم أشخاص يسعون إلى تحقيق الربح السريع، والآن غادر نصف هؤلاء المستثمرين سوق الأوراق المالية مع فشل شركات التكنولوجيا في تلبية توقعاتهم الربحية.
ومع هذا يحافظ بعض الخبراء على تفاؤلهم تجاه مستقبل شركات التكنولوجيا، وقناعتهم بأن تلك الشركات لن تجد أمامها من مفر غير توسيع استثماراتها في الأسواق.
من جانبها، أوضحت لـ"الاقتصادية" الدكتورة أليزابيث كروكوال أستاذة النظم الاستثمارية في جامعة لندن، أن "شركات التقنية العملاقة لديها سيطرة مطلقة على بعض الأعمال التجارية الأكثر ربحا في العالم، مثل وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية، والتجارة الإلكترونية، والحوسبة السحابية، وهيمنتهم على تلك المجالات وحاجات الأنشطة الاقتصادية الأخرى الماسة لمنتجات شركات التكنولوجيا يعني أن رؤساء مجالس تلك الشركات لن يكون أمامهم إلا توسيع نشاطهم الاقتصادي، والاستحواذ على شركات التكنولوجيا الأصغر التي ستواجه مصاعب مالية".
وتابع "لكن سيكون من الصعب عليهم الاستحواذ على الشركات الكبيرة أو المتوسطة، لأن لجنة التجارة الفيدرالية تدرس تحركات الاستحواذ التي تقوم بها شركات التكنولوجيا العملاقة، لهذا نتوقع أن تكون الصفقات أغلبها في نطاق الاستحواذ على شركات التكنولوجيا الصغيرة الناشئة، فالخمس الكبار لديها كثير من الأموال بما يمكنها من استغلال فترة الهبوط الاقتصادي وتعزيز استثماراتها".
ويتفق عدد من المحللين مع وجهة النظر تلك من منطلق أن الاحتياطيات النقدية الضخمة لدى شركات التكنولوجيا العملاقة تمكنها من تمويل عمليات إعادة شراء سريعة لأسهمها مع انخفاض أسعار الأسهم، وسيؤدي القيام بذلك إلى زيادة أرباح الشركة لكل سهم، وتقديم قيمة أكبر للمستثمرين، إضافة إلى أنه يبعث برسالة إلى الأسواق بأن شركاتهم مرتفعة القيمة".
وبصرف النظر عن وجاهة تلك الفكرة أم لا، فإنه من الملاحظ أنه خلال فترة الركود الاقتصادي بين 2008 و2020 استحوذت شركات فيسبوك وأمازون وجوجل وأبل ومايكروسوفت على أكثر من 100 شركة وأصبحت بعض تلك الصفقات أساسية في أنشطتها اليوم.
ويعتقد بعض الخبراء، أن الأزمة الاقتصادية المقبلة التي تلوح في الأفق حاليا، ستكون الاختبار الأول لشركات التكنولوجيا العملاقة في مدى تأثرها بالعدوى من بعضها بعضا، إذ يمكن أن تتمسك إحدى الشركات التكنولوجية العملاقة بموقفها المؤيد للتوسع، واستغلال فترة الركود الاقتصادي لمصلحتها، لكن ربما لا تستطيع المضي قدما في هذا، لأن أحد عمالقة التكنولوجيا الآخرين تأثر سلبا بالركود وقرر تقليص نفقاته.
وذكر لـ"الاقتصادية" سيمون نيلسون الباحث الاقتصادي، أنه "على الرغم من المنافسة بين شركات التكنولوجيا، إلا أنها مترابطة مع بعضها بعضا، وقد تتأثر مبيعات شركة أبل، لأن شركة أمازون على سبيل المثال قررت تقليص إنفاقها الإعلاني الذي يعتمد على تطبيقات أبل".
ويضيف قائلا "الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فهناك تحديات تنظيمية تلوح في الأفق قد تجعل المستقبل أكثر ضبابية وعتمة لشركات التكنولوجيا العملاقة، فالمقترحات الأوروبية الخاصة بالأسواق الرقمية، والرامية إلى زيادة انفتاح المنصات الرقمية، ستتحول إلى قانون قريبا".
وأشار إلى أنه "يمكن لهذه القوانين أن تؤدي إلى تقليص الأموال التي تجمعها شركة أبل من شركة ألفا الشركة الأم لجوجل، والمقدرة بـ19 مليار دولار، لجعل محرك البحث الافتراضي جوجل على أجهزة آيفون، وإذ فقدت أبل هذا المبلغ، فإن ذلك يعني خسارتها نحو 3 في المائة من أرباحها قبل خصم الضرائب".
ولا يمكن استبعاد النقاش حول مستقبل شركات التكنولوجيا الأمريكية دون الأخذ في الحسبان ارتفاع التضخم إلى أعلى مستوياته منذ 40 عاما، وقد بدأ الاحتياطي الفيدرالي في رفع أسعار الفائدة، ومن المقرر أن يخفض قريبا ميزانيته العمومية البالغة تسعة تريليونات دولار في محاولة لكبح جماح الأسعار.
ولا شك أن تلك التحركات تجعل أسواق الأعمال قلقة، لأن الاقتراض سيكون أكثر تكلفة بالنسبة للشركات والأسر، وربما تدفع سياسات الفيدرالي الأمريكي برفع الفائدة، إلى طرح تساؤل من قبل المستثمرين فيما إذا كانت أسهم الشركات التي ازدهرت في بيئة ذات معدلات فائدة منخفضة ستكون قادرة على الاستمرار في النجاح في بيئة ذات أسعار فائدة أعلى.
وهنا قال لـ"الاقتصادية" جون كيلي كبير مسؤولي الاستثمار في الأسهم العالمية في مجموعة نيت ويست المصرفية، "إن العوائد الواسعة في مجال الاستثمار في شركات التكنولوجيا التي شهدناها في العام الماضي استندت جزئيا إلى السياسة النقدية الداعمة للاقتصاد، هذا الوضع تغير الآن، لكنه لا يعني أن شركات التكنولوجيا ستخرج من المشهد الاقتصادي".
وأكد أن هذا لن يحدث على الإطلاق، وسيظل لشركات التكنولوجيا مكانة مميزة في الأسواق، لأن أرباحها أقل حساسية للتقلبات الاقتصادية، وإذا مضت الإدارة الأمريكية في مخططاتها للاستثمار في البنية التحتية، فإن شركات التكنولوجيا ستحافظ على مكانة جيدة".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من تقارير و تحليلات