الإحساس بالأزمة
في كتابه المثير للجدل "ملك الفجوات" يقول فيرناندو بيسوا، "الشارع ليس خاليا لأنه لا يعبره أحد. بل لأن الذين يمرون، يعبرونه كما لو كان خاليا".
تذكرت الكتاب والعبارة وأنا ألحظ أن البعض يعبرون أزمة التضخم الحالية التي تطول كل العالم، والارتفاع التدريجي في أسعار الغذاء نتيجة الأحداث الأخيرة، يعبرونها وكأن لا أزمة هناك ولا تضخم.
في هذه المرحلة لن أطالبك عزيز القارئ بشد الحزام وإن كانت مطالبة معقولة، فقط أطالبك بالمساهمة الفردية ضمن محيطك الخاص في الحد من الهدر في الغذاء، الهدر الذي يبلغ في بلدنا الجميل الآمن المطمئن نحو الثلث، نعم ثلث غذائنا يهدر وهذا ليس كلاما عابرا في مقال عابر إنه تصريح رسمي من جهة متخصصة.
في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي قال زيد الشبانات مدير البرنامج الوطني للحد من الفقد والهدر من الغذاء، إن معدلات الهدر والفقد في الغذاء وصلت إلى نسب مرتفعة، وحدد في حديثه لقناة "الإخبارية السعودية" -آنذاك- نسبة الفقد والهدر الغذائي بـ33.1 في المائة، وهو الأمر الذي يمثل ثلث الغذاء في المملكة.
كل شيء نهدره لا يعود، طاقتنا، وأعمارنا، بعض أحاديثنا ومشاعرنا، وربما أفكارنا، وبالطبع مواردنا، وحديث الهدر مؤلم ومحزن، وهو أشد ألما عندما يتعلق بالغذاء، نعمة الله علينا التي هي بمنزلة الأمانة في أعناقنا، وإحدى الاختبارات الدنيوية التي لا تزال نسبة النجاح والفلاح فيها أقل من المأمول.
بعض الدول أعلنت إيقاف تصدير بعض الأغذية الأساسية، وبعضها أوقفها دون إعلان، وهناك مصادر لأغذية مهمة لنا قد تقرر في أي لحظة تقليص أو وقف التصدير، وهذا كله سيؤدي إلى مزيد من رفع الأسعار.
نحن في المملكة آمنون غذائيا، وسياسات حكومتنا في هذا الملف ممتازة لجهة المخزونات والأنظمة والتشريعات ومراقبة الأوضاع، فضلا عن وجود كيانات غذائية عملاقة، لكن كل ذلك يجب دعمه بوعي وممارسات الأفراد.
إنه أمر مؤسف ومخجل أن كثيرا من النفايات تضم بقايا غذاء، بل أغذية لا تدخل في تصنيف "البقايا"، وإن كان ثمة جمعيات ومجموعات تطوعية تساعد على إعادة توزيع فوائض الولائم والمناسبات، إلا أن فوائض المنازل والأسر الصغيرة، والمطاعم بالطبع لا تزال تأخذ طريقها إلى الرمي.
فللنظر بتمعن، ولنتق الله في نعمة الله، ولنوازن اليوم بين التغيرات في العادات مشددين قليلا على مصادر الطعام الخارجي، ومطورين قليلا في طعام المنزل ليظل مغريا، ولنتأمل أنه حتى لو حلت كل أزمات العالم، فإن ازمة الهدر لدينا يجب أن تحل.