الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي واندفاعه المجنون «2 من 2»
في ظل الظروف الحالية أود أن أزعم أن أي صانع سياسات مسؤول لا بد أن يكون راغبا في التحلي بالحذر وعدم المراهنة على رحلة دائرية سريعة وخارقة تعود بالتضخم إلى اتجاهه قبل جائحة كوفيد - 19 بمعدل أقل من 2 في المائة.
لنتأمل هنا بعض الأرقام مرة أخرى: لنقل إن مسار سياسة الاحتياطي الفيدرالي المتوقع، كما جرى توضيحه من خلال أحدث رسم بياني إحصائي صحيح، وإن البنك المركزي يأخذ سعر الفائدة الاسمي على الأموال الفيدرالية من الصفر إلى نحو 1 في المائة بحلول نهاية عام 2022. أضف إلى هذا تقييما حكيما لمسار خفض التضخم - ليس بطيئا جدا ولا سريعا للغاية - يتوقع عودة تضخم مؤشر أسعار المستهلك في نهاية العام إلى منطقة 3 إلى 4 في المائة. هذا من شأنه أن يترك سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية في المنطقة السلبية عند مستوى 2 في المائة بالسالب إلى 3 في المائة بالسالب في نهاية هذا العام.
هنا يكمن الشرك في كل هذا، في دورة التيسير الحالية دفع الاحتياطي الفيدرالي أولا سعر الفائدة الحقيقي على الأموال الفيدرالية إلى الانخفاض إلى ما دون الصفر في تشرين الثاني (نوفمبر) 2019. وهذا يعني أن السعر المحتمل بنسبة 2 في المائة بالسالب إلى 3 في المائة بالسالب في كانون الأول (ديسمبر) 2022 يصادف فترة تمتد 38 شهرا من التسهيلات النقدية غير العادية، وبلغ سعر الفائدة الحقيقي على الأموال الفيدرالية خلالها 3.1 في المائة بالسالب في المتوسط.
يمثل المنظور التاريخي أهمية واضحة هنا. لدينا ثلاث فترات سابقة من التسهيل النقدي غير العادي تستحق الملاحظة: في أعقاب فقاعة الدوت كوم قبل جيل مضى أدار الاحتياطي الفيدرالي تحت قيادة ألان جرينسبان سعر فائدة حقيقيا بلغ في المتوسط 1.1 في المائة بالسالب طوال 31 شهرا متتاليا. وفي أعقاب الأزمة المالية العالمية التي اندلعت عام 2008، تعاون بن برنانكي وجانيت يلين للحفاظ على سعر فائدة حقيقي على الأموال الفيدرالية بلغ في المتوسط 1.9 في المائة بالسالب لمدة 62 شهرا. ثم مع استمرار ركود ما بعد الأزمة اشتركت يلين مع جيروم باول لمدة 37 شهرا للإبقاء على سعر الفائدة الحقيقي عند مستوى 0.9 في المائة بالسالب.
الواقع أن الاحتياطي الفيدرالي اليوم يلعب بالنار. إن سعر الفائدة الحقيقي على الأموال الفيدرالية بنسبة 3.1 في المائة بالسالب في ظل التسهيل المفرط الحالي لهو أكثر من ضعف المتوسط الذي بلغ 1.4 في المائة بالسالب خلال الفترات الثلاث السابقة. ومع ذلك تعد مشكلة التضخم اليوم أشد خطورة بأشواط، حيث من المرجح أن تبلغ الزيادات في مؤشر أسعار المستهلك 5 في المائة في المتوسط من آذار (مارس) 2021 إلى كانون الأول (ديسمبر) 2022، مقارنة بمتوسط بلغ 2.1 في المائة وساد في ظل الأنظمة السابقة لأسعار الفائدة الحقيقية السلبية.
كل هذا يسلط الضوء على ما قد يكون أخطر رهان سياسي قام به الاحتياطي الفيدرالي على الإطلاق. لقد ضخ تحفيزا غير مسبوق إلى شرايين الاقتصاد خلال فترة كان فيها التضخم أعلى من ضعف الوتيرة التي كان عليها خلال تجاربه الثلاث السابقة مع أسعار الفائدة الحقيقية السلبية. لقد تعمدت ترك مقارنة رابعة: سعر الفائدة الحقيقي على الأموال الفيدرالية بنسبة 1.7 في المائة بالسالب في عهد بيرنز في أوائل السبعينيات. ونحن نعلم الآن كيف انتهى ذلك الحدث. كما تركت أي ذكر للتوسع العنيف بالقدر ذاته في ميزانية الاحتياطي الفيدرالي العمومية.
في الوقت الحالي، فات أوان التحذير من أن الاحتياطي الفيدرالي أصبح وراء المنحنى. الواقع أن الاحتياطي الفيدرالي متأخر عن المنحنى إلى الحد الذي يجعله عاجزا حتى عن رؤيته. ويبدو أن رسومه البيانية الإحصائية، ليست فقط لهذا العام، بل أيضا لعام 2023 ثم لعام 2024، لا تعبر بإنصاف عن مدى الإحكام الذي يجب أن تكون عليه السياسة النقدية في الأرجح مع اندفاع الاحتياطي الفيدرالي لإعادة التضخم إلى نطاق السيطرة. في الوقت ذاته، تنتظر الأسواق المالية نوبة صحيان شديدة الخشونة.
خاص بـ "الاقتصادية"
بروجيكت سنديكيت، 2022.