التعجيل بنشر وتوفير اللقاحات «2 من 3»
قبل اندلاع أي جائحة جديدة، قد يبدو من المنطقي بناء طاقة إنتاجية كبيرة لتصنيع اللقاحات، بحيث يمكن توفير اللقاحات لسكان العالم سريعا، وبناء الطاقة اللازمة لإجراء التجارب الإكلينيكية في الوقت نفسه بحيث يمكن البدء في تلقيح المواطنين بمجرد الموافقة على أحد اللقاحات، وكذلك بناء طاقة كافية لاستحداث لقاحات محتملة عديدة نظرا لأننا لن نعلم مسبقا أيا من هذه اللقاحات ستثبت فعاليته ولأن إعادة توظيف الطاقات المتاحة تستغرق وقتا طويلا.
وخلال جائحة كوفيد - 19، استهدفت شركات وحكومات عديدة زيادة الطاقة الإنتاجية من خلال إعادة توظيف المصانع القائمة بالفعل غالبا باعتبار ذلك خيارا أسرع بدلا من بناء مصانع جديدة. غير أن الإنتاج كان محدودا للغاية بسبب قصور الطاقة المتاحة لإعادة التوظيف ونقص المدخلات المعتادة كالقوارير الزجاجية وجزيئات الدهون وأكياس المفاعلات الحيوية. ولم يؤد ذلك إلى إبطاء وتيرة التلقيح فحسب، ولكن نتجت عنه مخاوف أيضا حيال زيادة الطاقة الإنتاجية في البلدان الغنية التي قد تؤدي إلى احتكار هذه البلدان المدخلات والطاقة المعاد توظيفها. وسيمكن التصدي لهذه المشكلة من خلال بناء طاقة إنتاجية احتياطية وتخزين المدخلات مسبقا قبل اندلاع أي جائحة مستقبلية.
ولكن ما حجم الطاقة التصنيعية اللازمة؟ قد يبدو من المنطقي بناء ومراكمة طاقة كافية لتلقيح العالم بكل من اللقاحات المحتملة العديدة نظرا لأننا لا نعلم مسبقا أيا من هذه اللقاحات ستثبت فعاليته. وستنشأ عن ذلك تكاليف بمليارات الدولارات، ولكن العائد المتوقع سيكون كبيرا حسب تقديرات صندوق النقد الدولي للتكلفة الاقتصادية للجائحة، حتى إن كانت الجوائح المستقبلية مجرد احتمالية متوسطة.
غير أن القطاع الخاص لن يقوم بهذا الدور منفردا. فبناء ومراكمة الطاقة الإنتاجية الاحتياطية عملية مكلفة للغاية. وخلال أي جائحة في المستقبل، على غرار ما حدث في جائحة كوفيد - 19، سيتوقع المصنعون تراجع أرباحهم نتيجة القيود السياسية والاجتماعية على التسعير. لذلك فإن القيمة الاجتماعية للطاقة الإنتاجية الإضافية تفوق بكثير القيمة الخاصة التي تعود على الشركات. وحسب تقديراتنا، بلغت القيمة الاجتماعية الحدية لطاقة إنتاج لقاحات كوفيد - 19 في أوائل عام 2021 نحو 500 إلى ألف دولار لكل جرعة كاملة من اللقاح، مقابل تكلفة الجرعة الكاملة الواحدة في العقود الحالية التي تراوح ما بين 6 و40 دولارا.
لذلك ينبغي أن تقدم الحكومات حوافز للتشجيع على بناء طاقة إنتاجية إضافية وتخزين المدخلات. فعلى سبيل المثال، قدمت مبادرة "عملية السرعة القصوى" في الولايات المتحدة، وفرقة العمل المعنية باللقاحات في المملكة المتحدة تمويلا للشركات لبناء الطاقة التصنيعية اللازمة بينما كانت لقاحات كوفيد - 19 لا تزال في طور التجارب الإكلينيكية. وفاق العائد على هذه البرامج تكلفتها بأضعاف كثيرة، حيث كلفت الجائحة الاقتصاد الأمريكي نحو 26 مليار دولار يوميا خلال عامي 2020 و2021 حسب التقديرات. ويعني ذلك أن "عملية السرعة القصوى" التي أنفقت ما لا يزيد على 13 مليار دولار حسب الوضع في كانون الأول (ديسمبر) 2020 سيمكنها تعويض هذه التكلفة إذا ما نجحت في اقتطاع 12 ساعة فقط من عمر الجائحة.
ولو كانت استثمارات الطاقة التصنيعية قد أمكن تنفيذها في مرحلة مبكرة عن ذلك، لكانت قد حققت عائدا أكبر كثيرا ويمكن للحكومات القيام بذلك على نطاق أوسع وقبل وقوع الجوائح المستقبلية بفترة أطول بما يمكنها من التأهب لمواجهتها. ويمكن استخدام الطاقة الإنتاجية الاحتياطية في تلبية الاحتياجات الحالية أيضا، فضلا عن إمكانية تصميم المصانع بحيث يعاد توظيفها لإنتاج مختلف اللقاحات المحتملة. وفي ظل عمليات شراء عالمية جيدة التصميم للطاقة الاحتياطية، يتم اختيار العقود وفق معايير تتضمن عوامل أخرى إلى جانب التكلفة، مثل سهولة إعادة التوظيف. غير أنه ينبغي ألا نفترض مسبقا أنه يمكننا القيام بذلك مقابل تكلفة زهيدة، وإلا سنكون كمن يوفر القليل ويهدر الكثير.