مذكرة عربية تحدد متطلبات تكامل الاقتصاد العربي
حددت مذكرة أعدتها الأمانة العامة للاتحاد العام لغرفة التجارة والصناعة والزراعة للبلاد العربية، والتي تم رفعها إلى مؤتمر القمة العربية الاقتصادية والتنموية الاجتماعية، التي عقدت في الكويت خلال الفترة 19- 20 كانون الثاني (يناير) من العام الجاري، عددا من المتطلبات المهمة لاكتمال جهود الدول العربية المرتبطة، بتحقيق تكامل اقتصادي عربي وفق المنشود والمأمول، الذي يحقق طموحات وتطلعات قادة تلك الدول وشعوبها.
من بين متطلبات تكامل الاقتصاد العربي، التي حددتها الأمانة المذكورة بالمذكرة المرفوعة لمؤتمر قمة الكويت العربية الاقتصادية والتنموية، (1) التطبيق الكامل لمنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، حيث إنه وعلى الرغم من مضي ثلاث سنوات على قيام منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، إلا أن حجم تجارة السلع بين الدول العربية لا يزال دون مستويات التطلع والطموح، إذ لا تتجاوز في أحسن حالتها نسبة الـ 15 في المائة، في الوقت الذي يصل فيه ذلك الحجم إلى نحو 40 في المائة في مجموعة دول الآسيان، وإلى نحو 70 في المائة في الاتحاد الأوروبي. (2) ضرورة وضع وتبني الدول العربية لتطبيق استراتيجية واقعية ومتدرجة للانتقال إلى السوق العربية المشتركة، وفق جداول زمنية تحقق التكامل الاقتصادي المنشود، بدءا من مرحلة منطقة التجارة الحرة إلى مرحلة الاتحاد الجمركي بحلول عام 2015، ثم إلى السوق العربية المشتركة بحلول عام 2020. (3) ضرورة تحسين الأوضاع الاجتماعية للمواطن العربي، من خلال التغلب على الصعوبات، ومعالجة التحديات التي تعترض طريق التنمية الاجتماعية، بشكل عملي يستهدف المجالات التنموية الحيوية للبلاد العربية، استنادا إلى الخصوصيات العربية القطرية والمشتركة. (4) إيجاد البيئة الاستثمارية المناسبة لعمل القطاع الخاص، حيث إنه وعلى الرغم من الإصلاحات المنفذة في عديد من الدول العربية، إلا أنه لا يزال هناك وجود عديد من العوامل السلبية التي تضعف من كفاءة الاستثمار الخاص، مما يحتم على الدول العربية، بذل المزيد من الجهود لتذليل العقبات والقضاء على الصعوبات، التي تواجه الاستثمار الخاص، بما في ذلك توفير جميع التسهيلات الممكنة لنموه وازدهاره. (5) ضرورة تدعيم البنية المؤسسة للتكامل الاقتصادي العربي، الأمر الذي يتطلب إنشاء وإقامة عدد من المؤسسات العربية، على غرار تلك المتواجدة في الاتحاد الأوروبي، مثال البرلمان العربي، ومحكمة العدل العربية، والمفوضية العربية وإلى غير ذلك. (6) إقامة مشروعات عربية مشتركة داعمة للتكامل الاقتصادي العربي، شريطة أن يسبق ذلك تطوير البنى التحتية الاستراتيجية، التي ستعمل على تفعيل حركة التجارة والاستثمار بين الدول العربية. (7) ضرورة تمويل التكامل الاقتصادي العربي، من خلال إيجاد شراكات فاعلة بين الحكومات العربية والقطاع الخاص لتوفير متطلبات التمويل اللازم لكل مرحلة من مراحل التكامل الاقتصادي، على أن يتم ذلك بشكل واضح ومحدد، يتم فيه مراعاة التوازن في توزيع المنافع والتكاليف في ضوء اختلاف مستويات النمو شريطة عدم التضحية بمستويات الكفاءة.
في رأيي أن إخفاق الدول العربية في تبني تطبيق استراتيجيات عمل واضحة، وفق جداول زمنية محددة، للوصول إلى التكامل الاقتصادي العربي المنشود، وفق ما أشارت إليه المذكرة المذكورة، خلق ذلك عديدا من المشكلات والصعوبات الاقتصادية والتنموية والاجتماعية، التي تواجه اليوم المواطن العربي، بما في ذلك البلاد العربية، التي لعل من بينها أبرزها وأهمها، ارتفاع نسب البطالة وعدد العاطلين عن العمل في الوطن العربي، إذ تشير الإحصائيات إلى أن عدد العاطلين عن العمل في الوطن العربي، يتراوح ما بين 30 و50 مليون شخص، وأن هذا العدد قابل للزيادة في حالة استمرار إرهاصات الأزمة المالية العالمية، وليس ذلك فحسب، حيث إن زيادة أعداد العاطلين عن العمل بالوطن العربي، سيتضاعف وسيفاقم من مشكلة الفقر، التي تعانيها معظم الدول العربية، حيث تقدر الإحصائيات أن نحو نصف العالم العربي يعيشون تحت معدل دولارين في اليوم، وأن نحو مليوني عامل يعيشون تحت معدل دولارين في اليوم، بينما يعيش نحو 12 مليون عامل تحت معدل أقل من دولارين في اليوم.
ومن بين نقاط الضعف العديدة كذلك، التي يعانيها الاقتصاد العربي نتيجة لعدم الوصول إلى مرحلة من التكامل الاقتصادي المنشود، تواضع نسبة مساهمة الدول العربية في التجارة الدولية، التي لا تزال محدودة للغاية، حتى يومنا هذا، حيث لم تصل في أحسن حالتها إلى 5 في المائة، هذا إضافة إلى أن حجم التجارة العربية البينية بين الدول العربية لا يزال ضعيفاً، إذ لا تتجاوز نسبة التجارة البينية بين الدول العربية في أحسن حالتها نسبة الـ 11 في المائة، كما أنه لا يوجد تكافؤ بين مساهمة الدول العربية في حجم التجارة البينية.
في رأيي للخروج من أزمة، الضعف والهوان، بما في ذلك التباطؤ الذي لازم ولا يزال يلازم مشوار ومسيرة التكامل الاقتصادي العربي، لابد من تبني الدول العربية، وفقما أشارت إليه مذكرة الأمانة العامة للاتحاد العام لغرفة التجارة والصناعة والزراعة للبلاد العربية، لاستراتيجية مرحلية واضحة لإتمام عملية التكامل الاقتصادي العربي المنشود، وفي رأيي كذلك أن هذا لن يتم إلا في حالة تخلي الدول العربية عن النظرة الفردية في التعامل مع أمور الاقتصاد العربي، وتبني النظرة الشمولية، التي قد تضطر الدول العربية إلى منح عديد من التنازلات وبذل المزيد من التضحيات، وبالذات المتعلقة بتمسك بعض الدول بعدد من القيود غير الجمركية (الإدارية)، والفنية، والإجرائية.
خلاصة القول، إن الدول العربية اليوم أحوج، من أي وقت مضى لأن تتكامل ولأن تتحد اقتصادياً، وبالذات في ظل تداعيات الأزمة المالية العالمية، التي عصفت باقتصادات عديد من دول العالم المتقدم، ولكي يتم ذلك، لابد أن يسبقه ترتيب البيت الاقتصادي العربي من الداخل، بما في ذلك ترتيب للأولويات، ولا سيما أن الوحدة الاقتصادية أصبحت لزاما وليس خياراً يمكن تأجيله، في ظل وكما أسلفت وجود عديد من المشكلات التنموية، التي تعانيها عديد من الدول العربية.
إن التكامل الاقتصادي العربي المنشود، في رأيي سيوفر ـ بإذن الله تعالى ـ للدول العربية الحماية الاقتصادية المطلوبة، ضد التقلبات الاقتصادية التي يشهدها العالم بين الحين والآخر، كما أنه سيحقق لشعوب المنطقة الحياة السعيدة والعيش الكريم، لكون ذلك التكامل سيحول المنطقة العربية إلى ملاذ آمن لاستقطاب الاستثمارات العربية والدولية في المجالات المنتجة والمجدية، مما سيوفر فرص عمل كبيرة للمواطنين العرب، ويقضي بذلك على مشكلة الفقر والبطالة في الدول العربية، وبالله التوفيق.