Author

الاقتصاد العالمي وتحدياتنا الاقتصادية

|

* رئيس مجلس إدارة شركة أبناء محمد السعد العجلان

اليوم يتشكل العالم من جديد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، بشكل يتواكب والسرعة المذهلة، في كل المجالات، وعليه لا بد من التجديد والتطوير والابتكار، في شتى المجالات.
بداية لا بد من لمحة تاريخية عن الاقتصاد العالمي إلى يومنا هذا.
وقبل ذلك دعوني أوضح معلومة قد تكون خافية عن البعض، ممن يعتقد أن الفساد المالي يقتصر على دول العالم الثالث، بينما الحقيقة المغيبة أن مركز الفساد المالي هو الغرب، وبالذات في السياسات المالية وفي الأسواق المالية، وأدوات المال والمشتقات المالية.
ولو رجعنا إلى الخلف أعواما طويلة، نجد أن نحو 60 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي في العالم يتركز في آسيا قبل 190 عاما، ومنذ ذلك التاريخ والاستعمارالغربي يخطط وينفذ ويستغل، بل ويصنع كل الفرص لاستغلال الدول الضعيفة، ساعده على ذلك الثورة التكنولوجية وما ينسجه من اتفاقيات وأنظمة، باسم النظام العالمي واتحاد الأمم، حتى تشكلت الكفة مرة أخرى بعد الحرب العالمية الثانية لتصل في 1950 إلى هبوط نسبة ما تشكله الاقتصادات الآسيوية إلى 18 في المائة.
وتستمر العملية وبشكل أسرع وأسهل إلى يومنا هذا، الذي اتضح فيه للمختصين بالاقتصاد، أن الرأسمالية العالمية شبه استنفدت كل قواها، وأصبح سبب علتها معالجة الأزمات الاقتصادية بأدوات ومشتقات مالية، لا تعدو أن تكون على الورق أكثر منها عمقا في الاقتصاد الحقيقي، خصوصا عندما زاد جشع الماليين الغربيين، ووصل منتهاه في 2008 والأزمة المالية، التي ما زال أثرها باقيا إلى اليوم.
الغرب تناسى قيمة المزايا التنافسية لكل دولة، وحاول أن يلون ذلك ضمن الإغراق أو التلاعب بأوراق الصرف، بينما الميز التنافسية خاصة في المجالات الصناعية أفقدت الولايات المتحدة، وهي أكبر اقتصاد عالمي ميزاتها التنافسية في العديد من السلع.
وتسببت التدخلات السياسية وانشغال الغرب بها، وأطماع شركات الصناعات الحربية وإشعال حروب لمصالح صناعية عسكرية وترك الصين تبني خلال الـ20 عاما الماضية، أهم اقتصاد عالمي على مشارف القمة العالمية، متفوقا في مجالات عديدة بميزه التنافسية في معظم المجالات، بما فيها المجال الاجتماعي، وعدد المواليد ونسبة الشباب وهم الدينمو المحرك للاقتصاد متى كان تحت إدارة تخلو من المصالح الخاصة والفساد المالي والإداري.
اليوم، ونحن نعيش في هذه الغابة الاقتصادية، بل والسياسية، والتحديات الاقتصادية بين الدول الكبرى، فإننا نحمد الله- عزوجل- أننا نملك أهم وأخطر سلعة على سطح الأرض (النفط)، هذه النعمة الكبرى قد تنقلب إلى صورة عكسية أخرى إن لم نستغلها الاستغلال الصحيح، لأن سهولة الحصول على المال أحيانا، تؤدي إلى الكسل، والترهل، والفساد المالي والانصراف عن الجهد، والإنتاج البشري وهو العامل المستدام، وهذا ما يسميه الاقتصاديون (بالمرض الهولندي).
إن هذه الثروة، التي نملكها ونحصل من خلالها على العملة الصعبة، يحب أن تكون أداة وجسرا، لمعالجة تحدياتنا الاقتصادية في إِطار بناء الإنسان السعودي، وهو المادة التي لن تنضب، بل الدرع الواقية للأمن والاستقرار والنموالاقتصادي، ولو نلاحظ، فإن جوهر رؤيتنا الوطنية السعودية 2030 هو الإنتاج.
وفي تصوري الشخصي أن أهم نقاط الرؤية، التي نلمسها الآن، وظهرت مبشراتها هي: زرع الطموحات والإحساس بالأمل بمستقبل مزهر.
وهذه الطموحات بحاجة إلى الاستمرار في تطوير أدوات التحديات الرئيسة وهي:
التعليم، الصحة، الإسكان، الغذاء، الطاقة، وشبكة الطرق البرية والجوية والموانئ، وغيرها. وما يبعث في مزيد من الأمل أننا نعيش في عصر الذكاء الاصطناعي، الذي سيوفر كثيرا من الوقت والجهد، خاصة إنه مقترن بثورة في عالم التكنولوجيا، وسهولة الحصول على المعلومة، والقدرة غير المسبوقة في عالم الإحصاء وهو منهل مهم لأرقام لا بد منها في المجال الاقتصادي.
أجزم، بأنه متى رافق ذلك اهتمام بالميز التنافسية، لكل محافظة من محافظات المملكة، مع إعطاء الجانب الاقتصادي الأهمية الكبرى بل ويصبح معيار الأداء لكل محافظ، هو إنجازاته الاقتصادية، إلى جانب المعايير الأخرى. ورافقت ذلك دورات علمية للمحافظين، في مجالات التنشيط الاقتصادي، وتنسيق مع وزارة الاقتصاد والتخطيط الاقتصادي، فإننا- بإذن الله تعالى- تلقائيا سنوفر أكثر من وظيفة، وأكثر من مسكن إضافة إلى سهولة الحصول على التعليم، والعلاج الطبي المتقدم، من خلال شمولية الإنتاج للمجتمع ككل، والاهتمام بالمشاريع الكبرى، التي تصب في معالجة التحديات الاقتصادية.
وأتمنى أن تستمر خططنا الاقتصادية في إيجاد نهج اقتصادي يتماشى ووضعنا الاجتماعي وطبيعة الأعمال والاستمرار في تطوير ذلك، خاصة في الأمور المالية وأدواتها ومشتقاتها.‏ والأهم إيجاد مسارات استثمارية إبداعية جديدة كمنافس حقيقي لمجالات الاستثمار الكبرى المتاحة الآن، وهي الأسهم والعقار، خاصة أن العقار يظل يحتاج إلى رأسمال كبير، والأسهم في حقيقتها، وإن كانت أداة لتطوير الأعمال وتبادل الملكيات بسهولة وتجزئة، إلا أنها في حقيقتها كمجال استثماري (ولا أقصد هنا الشركات بذاتها إنما السوق كمجال استثمار)، ليست إلا سوقا لتوزيع الثروة وليست صنع ثروة.
عليه، فإن ضرورة سبر علم الاقتصاد وانتهاج خط اقتصادي يناسب تكويناتنا الاقتصادية ونمط الحياة وتبادل المنافع في وطننا، التي قد تختلف عن الغير في بعض أجزائها، وهذا الاختلاف إذا لم يؤخذ في الحسبان، فإن تطبيق تلك المناهج على طبيعتها الأصلية قد لا ينتج ثماره بالشكل المطلوب.
إنشرها