توزيع الأرباح
منذ أكثر من أربع سنوات (الاقتصادية في 20/1/1426هـ) تناولت أوجها من المشقة التي كان يعانيها المساهمون لتسلم أرباحهم من بعض الشركات المساهمة ولاسيما البنوك. ودعوت يومها إلى الإفادة من الشبكة الإلكترونية التي أنشأتها مؤسسة النقد العربي السعودي لإيداع الأرباح مباشرة في حساب المساهمين بدلا من أسلوب الشيكات المصرفية وما شابه من إجراءات مطولة كان من شأنها إبقاء الأرباح لوقت أطول في حساب الشركة المعنية أو البنك الذي تعاقدت معه لتوزيع تلك الأرباح. اليوم يمكن القول إن معظم الممارسات التعسفية التي كانت تلجأ إليها الشركات المساهمة في صرف أرباح مساهميها قد تلاشت وأصبحت التحويلات الإلكترونية الطريقة المتبعة في توزيع تلك الأرباح.
هناك مئات الألوف من العائلات تعتمد في تدبير معيشتها، بعد الله تعالى، على ما تدر عليها الأسهم من أرباح سواء كانت سنوية أو غيرها. ومع ازدياد أعداد أولئك المستفيدين زاد أيضا عدد الشركات المدرجة، الأمر الذي يدعو إلى مراجعة شاملة للترتيبات القائمة حاليا في هذا الشق المهم من السوق المالية، إذ إن معظم الشركات ذات العوائد بلغت درجة من النضج في نشاطها تسمح بإخضاعها لتقنين فترات وتواريخ توزيع أرباحها بدلا مما نشاهده اليوم من حال مضطرب، فبعض الشركات توزع أرباحها بعد شهرين من انتهاء السنة المالية، وأخرى تؤخر ذلك الاستحقاق إلى ستة أشهر أو أكثر. كما أن فترات التوزيع تختلف بين شركة وأخرى، فهناك شركات توزع أرباحا ربع سنوية وأخرى نصف سنوية، وثالثة سنوية، على الرغم من تشابه طبيعة النشاط بين الكثير من تلك الشركات.
بالطبع هناك مبررات كثيرة يمكن أن تساق كأسباب لذلك التفاوت، غير أنه ينبغي ألا ننساق وراءها، بل لا بد من تغليب مصلحة المساهم، وهي في هذا المقام الحصول على دخل بشكل منتظم على فترات قصيرة وفي أوقات معلومة مسبقة. ولعل هيئة السوق المالية، عند مراجعة هذا الملف، تستأنس ببعض التجارب الناجحة في ذلك السياق كتجربة شركة صافولا.
أما الجانب الآخر في ملف توزيع الأرباح فهو أسلوب إيداعها في حساب المستفيد، إذ إن كل متعامل في سوق الأسهم لا بد أن تكون له محفظة لدى شركة الوساطة التي تجري عمليات البيع والشراء عن طريقها، وترتبط تلك المحفظة بحساب استثماري وذلك عدا الحساب الجاري الذي يمتلكه العميل لدى البنك المالك لشركة الوساطة أو المتعاون معها. ولأسباب غير واضحة يجد البعض أن أرباحهم في فترة ما قد أودعت في الحساب الاستثماري وفي فترة أخرى قد أودعت في الحساب الجاري، ما يسبب إرباكا لهم في متابعة مستحقاتهم. وما يزيد الأمور تعقيدا أن كشف الحساب الذي تصدره بعض البنوك لا يتضمن إيضاحات كافية عن مصدر المبالغ المودعة وطبيعتها، فبدلا من أن يقال مثلا "أرباح الربع الأول للشركة الفلانية"، يكتفي البنك بتسجيلها كحوالة. وربما غياب الإيضاح مرجعه البنك الذي صدرت من عنده تلك الحوالة أو من المنبع الأساس وهو الشركة التي صرفت تلك الأرباح. الشاهد هنا أن الأمر يدعو إلى مراجعة من قبل مؤسسة النقد العربي السعودي وربما من هيئة السوق المالية.
إن النقلة التي تحققت في سرعة وكفاية إيصال أرباح الشركات المساهمة لمستحقيها يعود الفضل فيها، بعد الله تعالى، إلى التطوير المستمر الذي تقوده مؤسسة النقد العربي السعودي في التعاملات الإلكترونية بين المصارف. وقد تستحسن هيئة السوق المالية استحداث نقلة أخرى في ذلك السياق، مغتنمة التوسع الكبير في خدمات الاتصالات، بأن تلزم الشركات المدرجة في السوق إشعار كل مساهم من مساهميها بواسطة الرسائل النصية التي تنقلها شبكة الهاتف المتنقل بقيمة الأرباح التي أودعتها في حسابه، تاريخ الإيداع، واسم البنك.
إن تلك الخطوة إن تحققت، بإذن الله، ستسهم في تعزيز شفافية السوق وضبط توزيع الأرباح، كما أنها ستنال بلا شك رضا المساهمين.