Author

«مجموعة السبع» أمام المتغيرات

|
كاتب اقتصادي [email protected]
"الولايات المتحدة عادت زعيمة متعاونة للعالم الحر، ونحن مرتاحون لذلك"
إيمانويل ماكرون، رئيس فرنسا
ليس هناك من توقع أن يكون التوافق بين قادة "مجموعة السبع" متطابقا تماما. هناك خلافات موجودة أصلا حول عدد من القضايا المطروحة في قمة المجموعة الأخيرة في بريطانيا. لكن هذه الخلافات لا ترقى إلى مستوى الاختلافات بين الحلفاء الذين يسيطرون على 39 في المائة (33.93 تريليون دولار) من الاقتصاد العالمي، وتضم بلادهم أكثر من 750 مليون مستهلك، أو ما يوازي 10 في المائة من مجموع سكان الكرة الأرضية. من الأشياء المهمة التي دعمت هذه القمة، وجود الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي عبر عن إيمانه الشديد بضرورة تقوية هذه المجموعة، في إطار تمسكه القوي بسياسة التحالفات عموما، على عكس سلفه دونالد ترمب، الذي كان عنصرا متوترا لهذا الكيان، والكيانات الدولية الأخرى. فالقمة السابقة للـ "السبع" في كندا قبل عامين، كانت فاشلة تماما، إلى درجة أن قادتها "بمن فيهم ترمب" لم يصدروا بيانا مشتركا عنها.
كما كان متوقعا، كان الملف الصيني من أبرز الملفات التي ناقشها قادة "السبع"، وعملوا على أن يكون هناك موقف واضح من بكين. واليابان التي تسعى منذ أعوام لبناء استراتيجية أكثر قوة ضد الصين، لم تتوقف عن مساعيها هذه في قمة بريطانيا، بل حاولت أن تدفع إلى موقف متشدد واضح في هذا المجال. ويبدو واضحا أن الأمر لم يكن صعبا على طوكيو. فالولايات المتحدة بإدارتها الديمقراطية الحالية ليست أقل تصلبا من إدارة ترمب في معالجة الملف الصيني بكل فروعه، التجارية والسياسية والعسكرية، والمسائل التي ترتبط بحقوق الإنسان، والتدخلات الصينية المتوسعة في آسيا، والأمر هو نفسه بين الشركاء الأوروبيين، وإن كانوا أكثر ليونة، كعادتهم في هذا الشأن وغيره من الشؤون الدولية الأخرى.
قمة "مجموعة السبع" ركزت سياسيا أيضا على الملف الروسي، ولا سيما أن القمة تسبق لقاء محوريا عالميا مهما، يضم جون بايدن بنظيره الروسي فلاديمير بوتين (غداً الأربعاء) في جنيف في سويسرا. فكل أعضاء المجموعة ينظرون بعين الريبة للسياسات الروسية، رغم أنها ضمت روسيا سابقا إليها، قبل أن تخرجها في أعقاب تدخل موسكو في أوكرانيا قبل ستة أعوام تقريبا. وهناك تطابق بهذا الشأن بين الدول الأعضاء في "السبع" التي وصلت علاقاتها مع موسكو إلى أدنى مستوى منذ أعوام الحرب الباردة. فالتحديات التي تمثلها الصين وروسيا كبيرة وهي في تصاعد دائم، والرئيس الأمريكي يعتقد أنه آن الأوان لمواجهة هذه التحديات، وحسم القضايا الخلافية، بأعلى درجة من الصرامة. فالحوار يبقى الأساس مع استخدام القبضة الحديدية في الوقت نفسه عبر التلويح الدائم بالعقوبات.
وتحظى خطة أطلق عليها "إعادة بناء العالم بشكل أفضل"، لمساعدة الدول الفقيرة على النهوض بعد وباء كورونا المستجد، بدعم قوي من دول "مجموعة السبع"، بصرف النظر عن بعض الخلافات حول مستوى التمويل المالي لهذه الخطة. فعلى سبيل المثال، وقفت ألمانيا وإيطاليا ضد اقتراح تخصيص 100 مليار دولار لهذه الدول، لكن في النهاية هناك حلول وسط يمكن أن تدفع الخطة إلى الأمام بصورة أو أخرى. والخطة المشار إليها تستهدف في الواقع ميادين المناخ والصحة والقطاع الرقمي، ومكافحة التباين الاجتماعي، بحسب البيت الأبيض الأمريكي. إنها باختصار خطة تتركز في مجال البنى التحتية في دول تعاني كثيرا على صعيد التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتواجه مصاعب كبرى من جراء تفشي كورونا صحيا واقتصاديا. واللافت أن الخطة المطروحة تستند أساسا إلى تمويل القطاع الخاص.
انعقدت قمة "مجموعة السبع" في وقت حرج للعالم أجمع، ليس فقط على صعيد تداعيات كورونا، بل من جهة المشكلات الكبيرة العالقة منذ عقود. ولذلك كان ضروريا ذلك المستوى المرتفع من التفاهم بين قادتها، بينما تفاقمت هذه المشكلات في ظل إدارة دونالد ترمب، التي كانت تفضل المواجهة وفرض العقوبات قبل التفاهمات. فضلا عن أن الرئيس الأمريكي السابق دخل في مواجهات حتى مع حلفائه التقليديين تجاريا، وفرض عقوبات تجارية عليهم، وهدد مكانة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، فضلا عن انسحابه من اتفاقية باريس للمناخ ومنظمة الصحة العالمية، وإيقافه المساعدات الأمريكية لعدد من الدول والمنظمات الدولية. هذا التوجه لم يعد موجودا الآن، ولا بد من وجود حد أدنى للتفاهم، خصوصا بين الحلفاء، من أجل مخرجات ضرورية للعالم أجمع.
المرحلة المقبلة ستشهد بلا شك حراكا عالميا أكثر توازنا، ما يعني وجود أرضية صلبة لحل المشكلات المطروحة، ومواجهة المتغيرات والمفاجآت بصورة أكثر اتزانا، بما في ذلك القضايا التي تخص الصين وروسيا. فهذه الدول يجب أن تكون ضمن النسيج العالمي لحفظ الأمن والسلم، وأثبتت السياسات المتصلبة حيالها عدم جدواها، بل نشرت التوتر الذي لا يمكن أن يتحمله العالم الآن. يضاف إلى ذلك، أن التوجهات الإيجابية على مستوى "مجموعة السبع" نحو الدول الفقيرة والأشد فقرا، تسهم في تخفيف التوتر العالمي القائم، وتضمن بالتعاون مع "مجموعة العشرين" مخرجات عالية الجودة للبشرية كلها.
إنشرها