والحق ما شهدت به الأعداء!

لا أقصد من العنوان أعلاه المعنى الحقيقي لكلمة "الأعداء" وإنما لأن "المنافس" في الذهنية الجمعية العربية لا يمكن أن يصور إلا بالعدو، فقد وجدت من المناسب استخدام هذا المثل كعنوان لمقال اليوم، خصوصاً أنه يتناول قضية النزاع التاريخي بين المرأة والرجل في مسألة الحقوق.
ولا أخفيكم أنني استمتعت أخيرا بمشاهدة برنامج تلفزيوني استضاف الناشطة والمحامية السعودية (كما عرفت نفسها) سعاد حمود الشمري, وسر استمتاعي لا يكمن في المحاور التي دار في فلكها اللقاء والتي تركزت حول حقوق المرأة في المملكة, وما يجوز وما لا يجوز في هذا الشأن وإنما في أنني وجدت مَن يساندني ويتفق معي في أن ثقافتنا المحلية تنطوي في زاوية منها على ما يمكن وصفه بالتمييز ضد الرجل, وهذا ما شهدت به الناشطة سعاد الشمري دون قصد منها, فقد حضرت هذه الناشطة لمناقشة قضايا التمييز ضد المرأة في المجتمع السعودي، وإذا بها تعترف لا شعورياً بأن من مكتسبات هذه الثقافة الجمعية أن المرأة تقدم على الرجل في تخليص معاملاتها في الدوائر الحكومية أو الشركات أثناء مراجعتها من باب "الذوق" وما شابه ذلك, ولذلك فأنا اتساءل الآن: إن لم يكن هذا تمييزا ضد الرجل واختراقا لحقوقه، فما هو التمييز؟!
قبل أشهر وبينما كنت في إحدى شركات البريد السريع في قلب العاصمة الرياض لإرسال طرد بريدي إلى جهة خارج المملكة اضطررت كباقي الزبائن الذين سبقوني إلى أخذ رقم من الآلة الموجودة أمام الموظف والجلوس بعيداً بانتظار أن تعلن الشاشة عن رقمي, وأثناء تقليبي مجموعة من النشرات الملقاة على طاولة صغيرة بجوار كراسي الانتظار دخلت للشركة سيدتان جلستا قليلاً قبل أن ينهض الموظف متوجهاً إليهما ومتجاهلاً جميع الموجودين لينهي معاملتيهما, ولأنني كنت ممتعضاً من الانتظار فقد قمت من مكاني وتوجهت إليه مخبراً إياه أن عملاً كهذا هو انتهاك لحق جميع الموجودين من الرجال لأدخل معه في شد وجذب، ويقرر بعدها أن ينهي معاملتي قبل معاملتهما وقبل معاملات الموجودين بعد أن استأذن منهم دون أن ينتظر إجابة من أحدهم, فقد كان الجميع يسبحون في صمت مراقبة الموقف, وبمجرد أن انتهيت وهممت بالخروج إذ بعدد من الزبائن يهجمون عليه بعدي لينهي معاملاتهم حسب الدور, ولا أعلم ما الذي حدث بعد ذلك, لكن ما فهمته أن الموقف الذي حدث شجعهم على الدفاع عن حقهم الذي كان سيضيع جراء ثقافة "الذوق"!
موقف مشابه آخر حدث لي في مطار مدينة جدة مع موظف من موظفي إحدى شركات الطيران الداخلية حين كنت أقف في طابور طويل لأخذ بطاقة صعود الطائرة, وأثناء ذلك جاء مقيم عربي في الخمسينات من عمره ترافقه ابنته الشابة ليقف في آخر الطابور لكن ذهنه تفتق وقتها عن حيلة لتجاوز الطابور فأعطى ابنته التذاكر وذهب لشرب القهوة بعيداً, لتتقدم الفتاة متجاوزة جميع الواقفين في طابور التعساء, وليستقبلها الموظف بابتسامة عريضة متسلما منها تذاكرها دون أي عبارة استئذان من الرجال المصطفين أمامه ودون أن يبدوا أي اعتراض وهو ما استدعاني لتجاوز ذلك الصف والدخول مع الموظف في نقاش انتهى بما انتهى به الموقف السابق نفسه, وعندما تسلمت بطاقة الصعود واستدرت إذا بالفتاة تردد بصوت سمعه الموجودون: "قلة ذوق صحيح", فما كان مني إلا أن توقفت سائلاً إياها أمامهم عن قريبها الذي يجلس بالقرب مستمتعاً بتناول قهوته دون التزام بالطابور، فما كان من الجميع الا أن طالبوا الموظف بعدم السماح لها بتجاوزهم, ولا أعلم ما الذي حدث بعد ذلك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي